في صبيحة يوم الأحد 21/6/2009م الموافق 28/6/1430هـ فقد الشعب الإرتري مجاهداً كبيراً، وداعية مربياً، وسياسيا بارعاً إنه الأستاذ صالح علي صالح رئيس مجلس شورى الحزب الإسلامي الإرتري للعدالة والتنمية، وافته المنية في الخرطوم، ووري الثرى بعيداً عن إرتريا التي تغنى وناضل، وجاهد من أجلها، فإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم آجرنا في مصيبتنا وأخلفنا خيراً منه، واغفر لعبدك صالح وارحمه واسكنه فسيح جناتك.
مضى طاهرَ الأثوابِ لم تبقَ روضة ٌ *** غداة ً ثوى إلا اشتهتْ أنَّها قبرُ
ثَوَى في الثَّرَى مَنْ كانَ يَحيا به الثَّرَى **** ويغمرُ صرفَ الدهرِ نائلُهُ الغمرُ
سمعت عن مناقب الفقيد رحمه الله وإنجازاته كثيراً، وعرفته ـ على قلة تشرفي بالجلوس إليه ـ باسم المحيا، مشرق الوجه، طيب المعشر، حسن السمت، صادق الكلام، عوّد نفسه على حسن القول للناس، وإن تذكر مناقبه فلا تذكر إلا وفي مقدمتها صدق الأخوة والمودة، وشدة الإيثار للإخوان، كأهم الصفات التي اتصف بها، واتصف بها الأخيار من الشباب الذين أسسوا الحركة الإسلامية في إرتريا في السبعينات من القرن الماضي، وكفى بالإيثار صفة نبل عزّ وجودها هذه الأيام
فتًى كانَ عَذْبَ الرُّوحِ لامِنْ غَضاضَة *** ٍ ولكنَّ كبراً أنْ يقالَ به كبرُ!
لقد كان الأستاذ صالح من أولئك الرجال الذي كانت سيرتهم وحياتهم تربية للناس، تمثلت صفات القدوة في أشخاصهم، فكانوا في الأخلاق جبالاً، وفي العلم بحاراً، وفي البذل سيلاً مدراراً، فهو وفي أمثاله يصدق فيه قول الشاعر:
جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم *** بعد الممات جمال الكتب والسير
التحق الفقيد رحمه الله بالعمل الإسلامي منذ كان فتى يافعاً، حين أسس مع ثلة مباركة من الشباب الحركة الإسلامية الإرترية قبل أكثر من ثلاثين سنة، وعمل وجاهد، وصبر، وثبت حتى لقي ربه رحمه الله.
وإني لأرجو الله أن يجعله من أولئك الشباب الذين نشأوا في طاعة الله، فلم تحمله رجلاه إلى معصية، ولم يشهده الدهر في ريبة، في وقت كان سبل الانحراف الفكري والأخلاقي سهلة ميسرة، وكان من يتمسك بدينه محل ازدراء وسخرية، في ذلك الوقت وعلى عكس الغفلة التي كانت سائدة آمن بالإسلام دينا شاملاً يحكم جوانب الحياة جميعاً وكان هذا الفهم غريباَ وقتها، والدعوة إلى شمولية الدين جريمة لا تغتفر، وجمع الفقيد رحمه الله مع فهمه العميق لدينه، وإيمانه التام بتعبيد الحياة لله رب العالمين، يقيناً لا شك فيه وعزيمة لا تردد فيها بضرورة تحرير إرتريا من الاستعمار الأثيوبي حتى يعيش كل إرتري حرا كريماً فيها.
وحين أدرك عظم هذه المبادئ التي حملها خفق قلبه بها، ورضيها منهجاً أفنى حياته في سبيله، فمضى مبشراً ومربياً الشباب في الحركة الطلابية، خفق قلبه بهذا الحب الكبير لدينه، وشعبه، ورفض الطغيان، فجاهد وناضل في سبيل ذلك، دون كلل ولا ملل، حتى تبوأ مكانة مهمة داخل الحركة الإسلامية، فقد كان نقابياً متميزا ومهنياً قديراً، أسهم بفعالية وكفاءة في البناء التنظيمي والتربوي للحزب الإسلامي في جميع مراحله بدءً بحركة الجهاد الإسلامي الإرتري، وإلى يومنا هذا، كما أسهم في صناعة القرارات الاستراتيجية للمعارضة الإرترية في إطار الحزب، وكان يعمل بصمت، فلا تراه في الأضواء، ولا تجده عالي الصوت، بل ترى أثره في كل عمل مبارك.
وتمتع الفقيد رحمه الله بفراسة وبصيرة نافذة حتى إنه ليقرأ الأحداث ومآلات الأمور بمقدمات وعلامات نادراً ما يفطن لها كثير من الناس، وأوتي عقلاً راجحا وحسن تصرف وحلم في المواقف الحرجة وفي الأزمات، مما جعله موئلا لكثير من إخوانه، فالشيوخ يأنسون برأيه، والشباب يتربون على توجيهه وإرشاده.
والفقيد رحمه الله إلى جانب تلك الصفات كاتب متميز، وإن كان مقلاً، تمتع بحسن الصياغة وعمق الترتيب للأفكار، لذلك كان لقلمه مكانة متميزة في وثائق الحزب، وهو إلى جانب ذلك شاعر باللغات الثلاثة العربية والتقري والتقرنية، رقيق الأحاسيس سريع العبرة، مع حزم وقوة شخصية، وما أندر هذه الصفات الأضداد في شخص واحد.
كما تمتع الفقيد بذاكرة حية متقدة، ومعرفة عميقة بتاريخ النضال الإرتري أحداثاً وشخصيات، وتفاصيل نشاط الحركة الإسلامية الإرترية، وهو بذلك أشبه ما يكون بالفقيد الراحل الشيخ أبو نوال رحمه الله، وبفقد الأستاذ صالح تفقد الحركة الإسلامية موسوعة معرفية، ومرجعاً تاريخيا لا يستهان به.
لقد قضى الفقيد نحبه وهو في قمة حيويته ونشاطه، رغم آلام قلبه التي أنهكت جسمه النحيل، وإن لم تضعف عزمه وهمته، وكم عانى كثيراً من آلام الهموم وآمال المستقبل، فلم يجزع بل كان صابراً قليل الشكوى إلا للخلص من الأقربين.
تموت النفوس بأوصابها *** ولم يدرِ عوادها ما بها
وما أنصفت مهجة تشتكي *** أذاها إلى غير أحبابها
وكأني به يجد راحته في التعب من أجل العمل، وعزاؤه في قوة الأمل في موعود ربه، على حد قول الشاعر:
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها *** تنال إلا على جسر من التعب
واليوم استراح ذلك القلب من الخفقان، استراح وأرجو أن تكون راحته الكبرى في الجنان، فمن أجلها - نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على ألله أحدا -كان يدعو، وفي سبيلها كان يضحي، ولأجلها شد الرحال، وقال للدنيا .. أف لك فقدوتي كل حر أبي، وصبار نجيب، أتلف جسمه لراحة شعبه وأمته، ولم ينل حظه من الدنيا، بل كان يقينه أن ما عند الله خير وأبقى.
إن فقد مثل الأستاذ صالح تذكير للغافلين عن الموت، وعظة للمسرفين في الأماني في هذه الحياة القصيرة، وزاد ويقين للسالكين درب المصلحين، حتى يلقوا الله ثابتين غير مبدلين، ولا متنكبين، قال الله تعالى مادحاً وحاثاً على الثبات على المبدأ، ومزكياً السابقين واللاحقين من العاملين للإسلام (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً) والسعيد من ختم له على طريق الخير والصلاح، وإلا فالدنيا دار فتنة، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: (من كان مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة)
إن فقد الأستاذ صالح يأتي في هذه الفترة الحرجة من نضال الشعب الإرتري، وقد كادت قواه أن تتحد، لإسقاط نظام أفورقي وهو بهذا فقد كبير، ولكن ما يبشر بخير أن العمل المؤسسي، لا يتزعزع مهما كانت مكانة الأشخاص الذين لهم بصمة كبيرة فيه، وعزاؤنا أن البناء الذي أسهم فيه الأستاذ صالح يزداد قوة وصلابة، وأن القلة المستضعفة من أبناء الحركة الإسلامية التي كانت تخشى أن يتخطفها الناس في نهاية السبعينات من القرن المنصرم أصبحت رقماً لا يستهان بها، بل أصبحت تسهم بكل كفاءة وتجرد للغد المشرق القادم بإذن الله، وحسبك بالمئين من عضوية الحزب في القارات الخمسة، ومن كل أطياف النضال الإرتري الذي عاشوا حدث وفاته رحمه الله، وتبادلوا العزاء في الفقيد، ودعوا له بالمغفرة والرحمة، وأكدوا على نبل المبدأ الذي هلك دونه رحمه الله.
إن المصائب التي تصيب الإنسان، وإن كانت في الظاهر شرًّا له إلا أنها في الحقيقة تحمل معها خيرًا للمؤمن إذا صبر واحتسب، ولم يجزع ويسخط، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ إِلَّا كُفِّرَ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا"،
ولئن فقدنا الأستاذ صالح فلن نفقد ثقتنا بربنا وحسن ظننا في سعة رحمته، وحفظ دينه ودعوته.
ولئن فقدنا الأستاذ صالح فلن نفقد ثقتنا في صحة المبادئ، ويقيننا في نصرة القضية التي من أجلها جاهد الفقيد، كيف لا، وملامح النصر نراها تلوح في الأفق.
فنم أخي أبا أسامة قرير العين ففجر النصر آت للشعب الإرتري الأبي.
ونم أخي أبا أسامة قرير العين فإنا أخوانك عازمون كما عهدتهم على السير في ذات الطريق الذي لقيت فيه ربك
ونم قرير العين، فإن في اشتداد الأزمة بداية الفرج، واشتداد ظلمة علامة لقرب بزوغ الفجر الأبلج.
أسأل الله أن يجمعنا بالأخ صالح، وصحبه الأخيار ممن مضوا قبله، وممن هم صابرين محتسبين منتظرين، أسأل الله أن يجمعنا بهم جميعاً في دار كرامته، حتى نقرأ جميعاً إخواناً على سرر متقابلين قوله تعالى:
((الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لُغوب ))
تعازي الحارة لأسرته الكريمة، والدة الفقيد رحمه الله، وأبناءه أسامة وأحمد وإخوانهما وأخواتهما ووالدتهم، وإلى أخوانه وخاصة حامد وعبد الله وعمر، أسأل الله أن يرزقهم الصبر والسلوان، وتعزيتي لقيادة الحزب الإسلامي الإرتري الأستاذ خليل، والأستاذ حامد تركي، والأستاذ أبوسمية، وأخص بالتعزية رفيق دربه وتوأم روحه الأستاذ علي محمد محمود، وبقية رفاق دربه الذين أسس معهم الحركة الإسلامية الإرترية وخاصة الأستاذ أبو آمنة إدريس علي نور، والأستاذ أبو تقوى عثمان عنجوت، وبقية الصحب الكرام.
وتعزيتي ودعائي بالصبر موصول لجماهير الحزب الإسلامي وعضويته حيثما كانوا، وللشعب الإرتري كافة، وإنا لله وإنا إليه راجعون
عليك سَلامُ اللهِ وَقْفاً فإنَّني *** رَأيتُ الكريمَ الحُرَّ ليسَ له عُمْرُ
اللهم اغفر لعبدك صالح علي صالح، وارفع درجته في المهديين، وأخلفه في عقبه بخير يارب العالمين
مضى طاهرَ الأثوابِ لم تبقَ روضة ٌ *** غداة ً ثوى إلا اشتهتْ أنَّها قبرُ
ثَوَى في الثَّرَى مَنْ كانَ يَحيا به الثَّرَى **** ويغمرُ صرفَ الدهرِ نائلُهُ الغمرُ
سمعت عن مناقب الفقيد رحمه الله وإنجازاته كثيراً، وعرفته ـ على قلة تشرفي بالجلوس إليه ـ باسم المحيا، مشرق الوجه، طيب المعشر، حسن السمت، صادق الكلام، عوّد نفسه على حسن القول للناس، وإن تذكر مناقبه فلا تذكر إلا وفي مقدمتها صدق الأخوة والمودة، وشدة الإيثار للإخوان، كأهم الصفات التي اتصف بها، واتصف بها الأخيار من الشباب الذين أسسوا الحركة الإسلامية في إرتريا في السبعينات من القرن الماضي، وكفى بالإيثار صفة نبل عزّ وجودها هذه الأيام
فتًى كانَ عَذْبَ الرُّوحِ لامِنْ غَضاضَة *** ٍ ولكنَّ كبراً أنْ يقالَ به كبرُ!
لقد كان الأستاذ صالح من أولئك الرجال الذي كانت سيرتهم وحياتهم تربية للناس، تمثلت صفات القدوة في أشخاصهم، فكانوا في الأخلاق جبالاً، وفي العلم بحاراً، وفي البذل سيلاً مدراراً، فهو وفي أمثاله يصدق فيه قول الشاعر:
جمال ذي الأرض كانوا في الحياة وهم *** بعد الممات جمال الكتب والسير
التحق الفقيد رحمه الله بالعمل الإسلامي منذ كان فتى يافعاً، حين أسس مع ثلة مباركة من الشباب الحركة الإسلامية الإرترية قبل أكثر من ثلاثين سنة، وعمل وجاهد، وصبر، وثبت حتى لقي ربه رحمه الله.
وإني لأرجو الله أن يجعله من أولئك الشباب الذين نشأوا في طاعة الله، فلم تحمله رجلاه إلى معصية، ولم يشهده الدهر في ريبة، في وقت كان سبل الانحراف الفكري والأخلاقي سهلة ميسرة، وكان من يتمسك بدينه محل ازدراء وسخرية، في ذلك الوقت وعلى عكس الغفلة التي كانت سائدة آمن بالإسلام دينا شاملاً يحكم جوانب الحياة جميعاً وكان هذا الفهم غريباَ وقتها، والدعوة إلى شمولية الدين جريمة لا تغتفر، وجمع الفقيد رحمه الله مع فهمه العميق لدينه، وإيمانه التام بتعبيد الحياة لله رب العالمين، يقيناً لا شك فيه وعزيمة لا تردد فيها بضرورة تحرير إرتريا من الاستعمار الأثيوبي حتى يعيش كل إرتري حرا كريماً فيها.
وحين أدرك عظم هذه المبادئ التي حملها خفق قلبه بها، ورضيها منهجاً أفنى حياته في سبيله، فمضى مبشراً ومربياً الشباب في الحركة الطلابية، خفق قلبه بهذا الحب الكبير لدينه، وشعبه، ورفض الطغيان، فجاهد وناضل في سبيل ذلك، دون كلل ولا ملل، حتى تبوأ مكانة مهمة داخل الحركة الإسلامية، فقد كان نقابياً متميزا ومهنياً قديراً، أسهم بفعالية وكفاءة في البناء التنظيمي والتربوي للحزب الإسلامي في جميع مراحله بدءً بحركة الجهاد الإسلامي الإرتري، وإلى يومنا هذا، كما أسهم في صناعة القرارات الاستراتيجية للمعارضة الإرترية في إطار الحزب، وكان يعمل بصمت، فلا تراه في الأضواء، ولا تجده عالي الصوت، بل ترى أثره في كل عمل مبارك.
وتمتع الفقيد رحمه الله بفراسة وبصيرة نافذة حتى إنه ليقرأ الأحداث ومآلات الأمور بمقدمات وعلامات نادراً ما يفطن لها كثير من الناس، وأوتي عقلاً راجحا وحسن تصرف وحلم في المواقف الحرجة وفي الأزمات، مما جعله موئلا لكثير من إخوانه، فالشيوخ يأنسون برأيه، والشباب يتربون على توجيهه وإرشاده.
والفقيد رحمه الله إلى جانب تلك الصفات كاتب متميز، وإن كان مقلاً، تمتع بحسن الصياغة وعمق الترتيب للأفكار، لذلك كان لقلمه مكانة متميزة في وثائق الحزب، وهو إلى جانب ذلك شاعر باللغات الثلاثة العربية والتقري والتقرنية، رقيق الأحاسيس سريع العبرة، مع حزم وقوة شخصية، وما أندر هذه الصفات الأضداد في شخص واحد.
كما تمتع الفقيد بذاكرة حية متقدة، ومعرفة عميقة بتاريخ النضال الإرتري أحداثاً وشخصيات، وتفاصيل نشاط الحركة الإسلامية الإرترية، وهو بذلك أشبه ما يكون بالفقيد الراحل الشيخ أبو نوال رحمه الله، وبفقد الأستاذ صالح تفقد الحركة الإسلامية موسوعة معرفية، ومرجعاً تاريخيا لا يستهان به.
لقد قضى الفقيد نحبه وهو في قمة حيويته ونشاطه، رغم آلام قلبه التي أنهكت جسمه النحيل، وإن لم تضعف عزمه وهمته، وكم عانى كثيراً من آلام الهموم وآمال المستقبل، فلم يجزع بل كان صابراً قليل الشكوى إلا للخلص من الأقربين.
تموت النفوس بأوصابها *** ولم يدرِ عوادها ما بها
وما أنصفت مهجة تشتكي *** أذاها إلى غير أحبابها
وكأني به يجد راحته في التعب من أجل العمل، وعزاؤه في قوة الأمل في موعود ربه، على حد قول الشاعر:
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها *** تنال إلا على جسر من التعب
واليوم استراح ذلك القلب من الخفقان، استراح وأرجو أن تكون راحته الكبرى في الجنان، فمن أجلها - نحسبه والله حسيبه ولا نزكي على ألله أحدا -كان يدعو، وفي سبيلها كان يضحي، ولأجلها شد الرحال، وقال للدنيا .. أف لك فقدوتي كل حر أبي، وصبار نجيب، أتلف جسمه لراحة شعبه وأمته، ولم ينل حظه من الدنيا، بل كان يقينه أن ما عند الله خير وأبقى.
إن فقد مثل الأستاذ صالح تذكير للغافلين عن الموت، وعظة للمسرفين في الأماني في هذه الحياة القصيرة، وزاد ويقين للسالكين درب المصلحين، حتى يلقوا الله ثابتين غير مبدلين، ولا متنكبين، قال الله تعالى مادحاً وحاثاً على الثبات على المبدأ، ومزكياً السابقين واللاحقين من العاملين للإسلام (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلاً) والسعيد من ختم له على طريق الخير والصلاح، وإلا فالدنيا دار فتنة، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: (من كان مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة)
إن فقد الأستاذ صالح يأتي في هذه الفترة الحرجة من نضال الشعب الإرتري، وقد كادت قواه أن تتحد، لإسقاط نظام أفورقي وهو بهذا فقد كبير، ولكن ما يبشر بخير أن العمل المؤسسي، لا يتزعزع مهما كانت مكانة الأشخاص الذين لهم بصمة كبيرة فيه، وعزاؤنا أن البناء الذي أسهم فيه الأستاذ صالح يزداد قوة وصلابة، وأن القلة المستضعفة من أبناء الحركة الإسلامية التي كانت تخشى أن يتخطفها الناس في نهاية السبعينات من القرن المنصرم أصبحت رقماً لا يستهان بها، بل أصبحت تسهم بكل كفاءة وتجرد للغد المشرق القادم بإذن الله، وحسبك بالمئين من عضوية الحزب في القارات الخمسة، ومن كل أطياف النضال الإرتري الذي عاشوا حدث وفاته رحمه الله، وتبادلوا العزاء في الفقيد، ودعوا له بالمغفرة والرحمة، وأكدوا على نبل المبدأ الذي هلك دونه رحمه الله.
إن المصائب التي تصيب الإنسان، وإن كانت في الظاهر شرًّا له إلا أنها في الحقيقة تحمل معها خيرًا للمؤمن إذا صبر واحتسب، ولم يجزع ويسخط، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: "مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ إِلَّا كُفِّرَ بِهَا عَنْهُ، حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا"،
ولئن فقدنا الأستاذ صالح فلن نفقد ثقتنا بربنا وحسن ظننا في سعة رحمته، وحفظ دينه ودعوته.
ولئن فقدنا الأستاذ صالح فلن نفقد ثقتنا في صحة المبادئ، ويقيننا في نصرة القضية التي من أجلها جاهد الفقيد، كيف لا، وملامح النصر نراها تلوح في الأفق.
فنم أخي أبا أسامة قرير العين ففجر النصر آت للشعب الإرتري الأبي.
ونم أخي أبا أسامة قرير العين فإنا أخوانك عازمون كما عهدتهم على السير في ذات الطريق الذي لقيت فيه ربك
ونم قرير العين، فإن في اشتداد الأزمة بداية الفرج، واشتداد ظلمة علامة لقرب بزوغ الفجر الأبلج.
أسأل الله أن يجمعنا بالأخ صالح، وصحبه الأخيار ممن مضوا قبله، وممن هم صابرين محتسبين منتظرين، أسأل الله أن يجمعنا بهم جميعاً في دار كرامته، حتى نقرأ جميعاً إخواناً على سرر متقابلين قوله تعالى:
((الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لُغوب ))
تعازي الحارة لأسرته الكريمة، والدة الفقيد رحمه الله، وأبناءه أسامة وأحمد وإخوانهما وأخواتهما ووالدتهم، وإلى أخوانه وخاصة حامد وعبد الله وعمر، أسأل الله أن يرزقهم الصبر والسلوان، وتعزيتي لقيادة الحزب الإسلامي الإرتري الأستاذ خليل، والأستاذ حامد تركي، والأستاذ أبوسمية، وأخص بالتعزية رفيق دربه وتوأم روحه الأستاذ علي محمد محمود، وبقية رفاق دربه الذين أسس معهم الحركة الإسلامية الإرترية وخاصة الأستاذ أبو آمنة إدريس علي نور، والأستاذ أبو تقوى عثمان عنجوت، وبقية الصحب الكرام.
وتعزيتي ودعائي بالصبر موصول لجماهير الحزب الإسلامي وعضويته حيثما كانوا، وللشعب الإرتري كافة، وإنا لله وإنا إليه راجعون
عليك سَلامُ اللهِ وَقْفاً فإنَّني *** رَأيتُ الكريمَ الحُرَّ ليسَ له عُمْرُ
اللهم اغفر لعبدك صالح علي صالح، وارفع درجته في المهديين، وأخلفه في عقبه بخير يارب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق