الأحد، 12 أكتوبر 2008

فقيد الحركة الاسلامية ورائد النضال الارتري

الشيخ أبو نوال محمد إسماعيل عبده
فقيد الحركة الإسلامية ورائد النضال الإرتري
وكتبه/ الدكتور جلال الدين محمد صالح
لندن 1/10/2008

الشيخ المجاهد، والرائد المناضل أبو نوال محمد إسماعيل عبده فقيد الحركة الإسلامية الإرترية، وأحدأوائل النضال الإرتري المرير،وطلائعه السابقين الذين آمنوا بعدالة قضيتهم قبل الفتح، ونصروها في ساعة العسرة، ولحظة الحرج، على هدى وبصيرة من أمرهم، غير مبدلين ولا منحرفين.

هذا أقل القليل مما يمكن أن يقال عن الشيخ أبي نوال جمعنا الله به في العليين على سرر متقابلين، كم من لحظة أحاط به الموت ثم تخطاه إلى غيره في ميدان الكفاح الثوري، حيث الراجمات، والحائمات تلقي بالحمم ما يجعل الليل نهارا، والنهار ليلا، ويهلك الحرث والنسل، ها هو اليوم رحمه الله يغادر دنيانا، إذ توفاه ربه وهو على رأس عمل إسلامي غايته حماية الدين، وتأكيد العبودية لله رب العالمين، وبناء مجتمع تسوده العدالة، آمن في دينه، وعرضه، ونفسه، وعقله، وماله، وهل من معنى للحياة حين يكون الإنسان خائفا في معتقده، ليس له الحق في حماية عرضه من خلال تشريع عادل، وليس له الأمان في نفسه، يمكن أن تزهق روحه غيلة بفعل فاعل، ويمكن أن تصادر ارضه بظلم ظالم، فهنيئا لك يا أبا نوال على هذه الخاتمة الحميدة، فكم من أناس ختموا حياتهم وهم ملحدون، وهم متهتكون، مهانون من طاغوت جبار، من غير أن يسجدوا لله سجدة، وويل لهم يوم يدعون إلى السجود فلا يستطيعون، فرحمة الله عليك، وحشرك عنده مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

لقد جعل الفقيد أبو نوال من نفسه وقفا على دعوته الإسلامية بكل إخلاص ولم يتزعزع عنها قيد أنمله أمام أجهزة حزب العمل الأمنية في جبهة التحرير الإرترية التي نكلت به وبإخوانه في سجونها واتخذت من جسمه مضرب السياط الحادة، ومطفأ السجائر، لقد خرج من هذه المحنة وهو في كمال الإيمان بعقيدته محتسبا ما حدث له لله وفي سبيل الله، خرج وهو في كمال الحيوية والعزيمة على التغيير فثبت متحديا صابرا في لحظة خلت فيه الساحة وتساقط المتساقطون، وهرولة المهرولون، حتى أتته منيته وهو على الدرب كما عاهد عليه الله.

لقد عرفته أول ما عرفته حين أعلن مع زملائه عن منظمة (الرواد المسلمين) يوم زرته في كسلا، بعد انكسار جبهة تحرير إرتريا ودخولها السودان، فرأيت فيه الشموخ، ورأيت فيه الإخلاص، ورأيت فيه التواضع، ثم توثقت صلتي به لاحقا بعد التآم الحركة الإسلامية في كيان واحد جامع إلى حين نكبتها الانشقاقية التي ما زالت تتوالى فكان مثالا في حسن الإنصات، ومثالا في حسن الرأي وأدب الاختلاف، لم يكن العمل الإسلامي بالنسبة له ساحة انتهاز لتحقيق مكاسب ذاتية، ولا عشائرية، ولا اللهث خلف منافع دنوية، ولكن كان ميدان تعبد لله رب العالمين هكذا أحسبه والله حسيبه.

لذا كان رحمه الله صواما لا تفوته أيام البيض من غير صيام، مصليا يقوم الليل ونحن من حوله نيام، قَرَّآءً للقرآن، مترددا إلى البيت الحرام معتمرا تارة وحاجا تارة أخرى، هكذا كنت أراه في دار الحركة الإسلامية في السودان وخارجه، وكنت أحرص على السلام عليه كلما زرت الخرطوم، أحببته لله، واحترمته لله، تذكرته في اليوم السابع والعشرين من رمضان هذا العام وأنا في برمنجهام، هكذا ترآى أما عيني، فسألت عنه الأخ سلطان المسؤول عن منظمة إيثار الإغاثية فأخبرني أنه في المستشفى فدعوت الله له بالشفاء، وفي ثاني أيام العيد نعاه الناعي في موقع عونا فحزنت كثيرا لكوني لم أزره منذ فترة ليست بالقصيرة.

أبكيه اليوم لله، وأعزي فيه نفسي أولا، ثم أخوتي في الحركة الإسلامية الإرترية بكل أجنحتها المتشققة، ثم الحزب الإسلامي للعدالة والتنمية، ثم أبناءه، وكافة أهله في داخل البلاد وخارجها في السودان، والسعودية، حيث كانوا واٌقاموا فإن العين لتدمع، والقلب ليتألم، وإنا على فراقك يا أبا نوال لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا (إنا لله وإنا إليه لراجعون).

وبهذه المناسبة أدعوا كافة قيادة الحركة الإسلامية إلى إعادة النظر فيما هم فيه فإن الموت أقرب إليهم من حبل الوريد، وليكن همهم إرضاء خالقهم، وليعاهد كل فرد منهم ربه في جمع الصف، ورأب الصدع، ولملمت الشتات لإخراج هذا الشعب المظلوم من محنته، فكلنا على درب شيخنا أبي نوال سائرون، ويا خيبة لنا حين لا نجعل من قادتنا الراحلين وشهدائنا الأبطال، وروادنا الأحرار عامل دفع لنا في الشعور بعظم المسؤولية، وثقل الأمانة الملقاة على عاتقنا ( إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) .

لست عضوا في الحزب الذي قاده أبو نوال رحمه الله، ولم أكن ممن شاركوا أبا نوال حلقات التربية في الجناح الذي انتمى إليه ورآى خدمة الإسلام أجدى وأنفع من خلاله، ولكن تأثرت به أيما تأثر إلى حد يحق لي أن أصفه بشيخي وأستاذي، ليس في تلقي العلم والمعرفة، ولكن في حسن السلوك الأخلاقي، لم أنجذب إلى أحد سواه من رجالات الحركة الإسلامية الإرترية، ولم يتمكن هو من نفسي هذا التمكن بنقاش سياسي أبهرني، ولا بكرازمية فطرية شدتني، وإنما بصمته وتعبده وتزهده وتقشفه، وإخلاصه لفكره ودعوته فوقع حبه في نفسي هذا الموقع العظيم، وأحسب أن كل من خالطه سيجد في نفسه هذا الأثر .

لم أبح بهذه المشاعر يوما للشيخ أبي نوال، ولم تحدثني يوما نفسي أن أعبر له عنها، إنها مشاعر ظلت مكبوتة في وجداني أبت إلا أن تخرج من مخبئها في هذه اللحظة من التأريخ، لحظة وفاة الشيخ أبي نوال رحمه الله، وانتقاله إلى ربه، أسأل الله عز وجل أن يكافأه أعلى الجنان، وأن يتجاوز عن سيآته، ويضاعف من حسناته، وأن يغفر له خطيآته مما نعلم ولا نعلم، وأن لا يفتنا بعده، وأن يغسله بالثلج والماء والبرد، وأن يجمعنا به في جنة الفردوس مع الذين سبقونا بالإيمان وتقدمونا إلى الدار الآخرة من آبائنا وإخواننا، وشهدائنا أجمعين، وأن يبارك في نسله وبنيه، ويجعلهم جميعا خلفا له في التقوى والخير.
وكتبه/ الدكتور جلال الدين محمد صالح
لندن 1/10/2008

ابو نوال العارف العابد

أبو نوال العارف العابد

محمد عثمان صالح - الرياض
07/10/2008م

عظيمة هي المصيبة عندما يحل نبأ وفاة شيخنا ورائدنا الشيخ / محمد إسماعيل عبده ، والذي يثري خيال كل متحدث وكاتب يتحدث فيه هذا من زاوية وذاك من أخرى ، فهو مثل البحر يسع الجميع بنفعه وخيره ، فنسأل الله تعالى أن يسكنه فسيح جناته وينزله منازل الشهداء ويلهم أهله وآله وشعبه ومحبيه الصبر وحسن العزاء .
لقد كان الشيخ محمد إسماعيل عابدا زاهدا قبل أن يكون سياسيا محنكا ومقاتلا جسورا وكاتبا بارعا وقارئا شغوفا ودبلوماسيا ماهرا وإداريا ناجحا وأبا عطوفا ومصلحا مربيا ، يبدأ أعماله كلها بسجدة دامعة وتلاوة متدبرة وورد راتب ويقين صادق وتوكل حق ، لذا فقد رأينا أعماله مباركة ومشاريعه ناجزة أينما ألفيته وجدته مجيدا متقنا ، فهو الأستاذ المربي الذي امتهن التدريس فور تخرجه وقد كان مثالا للأستاذ القدوة (ود شيخنا) أحبه تلامذته الصغار قبل أولياء أمورهم ، وكان سياسيا وطنيا غيورا فاهتم بالعمل السياسي في باكورة عمره حتى زج به في سجون الاستعمار الإثيوبي ، وكان إداريا ناجحا أهله ذلك ليتسنم وبعد عام واحد من التحاقه بالجبهة سلما إداريا عاليا ، وكان مقاتلا جسورا ومجاهدا باسلا عندما صدر قرار الجبهة بالتحاق القيادات بالميدان فكان أول المستجيبين ، فجاب أنحاء ارتريا يبشر بالنصر ويدعو بالأسوة ويحكم بين الناس بالعدل وكان رحمه الله مسكونا بهم الإسلام وأهله منذ أن ترعرع ، فهو في كل أعماله وفعاله وانتماءاته وتحركاته إنما كان يهدف لتمكين الفكرة وتثبيت القيم ، ولما لم تكن صدور البعض متسعة لفهمه الكبير أسس وإخوانه منظمة الرواد المسلمين يعمل من خلالها على إرساء تلك المفاهيم التي طالما عذب من اجلها وطورد بسببها ، وقد كان الشيخ قائدا محنكا وكان دبلوماسيا فوق العادة عرفته المؤتمرات والملتقيات يشرح قضيته ويوصل صوته وكان قبل ذلك كله عارفا عابدا زاهدا عفيفا نظيفا مؤمنا متوكلا ، وحقا كان بركة على جماعته فكم من محنة مدلهمة كان لها الشيخ ، وكم من أزمة مستعصية تصدى لها الورع الوقور،
إن فقد الشيخ محمد إسماعيل عبده فقد عظيم ولا نقول إلا ما يرضي ربنا سائلين الله عز في علاه أن يجرنا في مصيبتنا ويخلفنا خيرا منها ، آملين أن يكون فقده محطة تزود وتأسي وتجديد العزم على المضي قدما في تحقيق ما عاش له الشيخ المجاهد الصبور ، ألا رحم الله أبا نوال وجمعنا به في جناته يوم المآل وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن تداعيات الموقف كانت هذه الأبيات:

بكت المنابر رمزا من دواخلها
وهبت الجموع تسكب من مآقيها
تودع الشيخ ترنو لسجاياه
ذاك الذي كان بالإسلام يبنيها
فلم تكن الدنيا يوما لتشغله
ولم تلنه صروف الدهر أو مآسيها
جلد على الشدائد بكَّاء في مساجده
وللياليَ علم أين الشيخ يقضيها
يجفو المهاجعَ في حل وفي سفر
يمضي اللياليَ بالقرآن يحييها
هذا المجاهد إن تسعدُ بصحبته
لتحقرنُ نفسك والدنيا وما فيها
عف اللسان سليم القلب أطهرُه
ربُّ المكارم لا كبرا ولا تيها
جاب الفيافيَ إرشادا وتبصرة
قاد العدالةَ رغم الكيد والتيها
وللرواد بفكر الخير أسسها
حتى تعيدَ لأرض الصدق ماضيها
وما تداعت جموع القوم قاطبة
إلى التوحد إلا كان الشيخ حاديها
لما تنادت ضعاف القوم ناكثة
رص الصفوفَ ولم يجنح لناديها
فرحمة الله تغشى الشيخ تشمله
وجنة الخلد تلقاه حواريها

رحمك الله ابا نوال

رحمك الله أبا نوال

بقلم \ محمد النور محمود ـ الرياض
04/10/2008م

فجعت كما فجع غيري بخبر وفاة الشيخ المجاهد محمد إسماعيل عبده يوم الإربعاء الماضي ثاني أيام عيد الفطر المبارك، المصادف للأول من أكتوبر 2008م، فجعت وإن كنت قلقاً منقبض الصدر منذ أن سمعت بخبر مرضه الأخير الذي أدخل بسببه غرفة الإنعاش، ولم أطمأن كثيراً رغم خروجه من المشفى ورجوعه إلى بيته رحمه الله رحمة الله واسعة، وأسكنه فسيح جناته، ورفع درجته في المهديين وخلفه في أهله في الغابرين، وغفر الله لنا وله أجمعين، وجبر الله مصيبة الشعب الإرتري بفقدانه، وعوضهم خيراً، والحمد لله على قضائه وقدره خيره وشره، ولا نقول إلا ما يرضى الرب إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد تذكرت أن أتأمل مناقب الشيخ رحمه الله وما رزقه الله من أبواب البر والطاعة مما لم يوفق إليها الكثيرون، تذكرت أبياتا لأحد الحكماء يحدد فيها خمسة شخصيات تستحق أن يبكي الناس لفراقهم:
1. عالم رباني صاحب دين وورع يعلم الناس الخير، ويكون قدوتهم فيه.
2. حاكم عادل ينشر العدل ويبسط الأمن والرخاء بين الناس.
3. عابد زاهد يربي الناس بعبادته وزهده في الحياة.
4. رجل كريم شهم يقضي حاجات الناس ويفك كربهم.
5. فتى شجاع يقول لا لكل جائر، ويعلم الناس بسلوكه أن الإقدام لا ينقص في العمر، وأن الإحجام لا يؤخر في الأجل
هؤلاء الخمسة هم الذين يبكى الناس لفقدهم، أما بقية الخلق فهم من سقط المتاع حياتهم كموتهم، ووجودهم كعدمهم، ولله الحكمة البالغة في إيجادهم، وأحسب أن الشيخ رحمه الله قد حاز صفات الأصناف الخمسة كلها، فقد كان يسارع إلى تطبيق ما تعلم من علوم الشرع، وكان في سلك القضاء فما وجد المتخاصمون مثله في الإنصاف والعدل، ويذكر كل من خالطه عبادته وقيامه الذي لم يتركه لا في سفر ولا حضر، وكان جواداً بيته مأوى لكل محتاج لم تمنعه قلة ذات اليد، ولا خشية الفقر من الإنفاق والتبرع بماله ووقته وقوته، أما الشجاعة فقد طرق أبواب الموت مرات عديدة في إرتريا وأفغانستان رحمه الله رحمة واسعة وأرجو أن يكون مقامه عند الله أكبر وأرفع من حسن ثنائنا وذكرنا له.
يقول الشاعر في الأصناف الخمسة:
إذا ما مات ذو علم وتقوى *** فقد ثُلِمت من الإسلام ثُلمة
وموتُ الحاكم العدلِ المولّى *** بحكم الشرع منقصةٌ ونقمة
وموت العابدِ القـوّام ليـلاً *** يُناجي ربّه في كـل ظلمـة
وموتُ فتىً كثير الجود محـلٌ *** فإن بقاءه خصـبٌ ونعمـة
وموتُ الفارس الضرغام هدمٌ *** فكم شهِدتْ له بالنصر عزمة
فحسبُك خمسةٌ يُبكى عليهم *** وباقي الناس تخفيف ورحمـة
وباقي الناس همـجٌ رعـاعٌ ** وفي إيجادِهـم لله حكمـة

لقد كنت أتمنى أن يؤجل الله في عمر الشيخ أبي نوال حتى تقر عينيه باستعادة المسلمين في إرتريا لحقوقهم، وينعموا بكرامتهم وحريتهم في بلادهم، ويرى بنفسه ثمرات جهاده وتربيته على أرض الواقع، ووقتها كان سيكون له من العزاء والتكريم حياً وميتاً ما يليق بأمثاله من أبطال إرتريا الذين قضوا نحبهم قبل أن يبزغ فجر العودة الصادق، ولكن لله الحكمة البالغة في قضائه وقدره، ولئن فقدنا الشيخ أبانوال فإننا على الدرب سائرون حتى يتحقق لنا إحدى الحسنيين إن شاء الله.
وعصر أمس الجمعة اجتمع الناس في الرياض للعزاء في وفاة الشيخ بدعوة من الحزب الإسلامي الإرتري للعدالة والتنمية فرع الرياض وكان مشهداً مهيباً وحضوراً كبيراً، حضر الإرتريون بكل أصنافهم وتوجهاتهم، والكل كان يعبر بعفوية وتلقائية عما عرفوا من خصال الخير والصدق والهمة والشجاعة، والجود والسخاء، عبروا عن حبهم للشيخ وثنائهم عليه، كما تحدث رفاق دربه وتلاميذه عن عفة لسانه، وصدق قلمه، وحفاظه على وقته، وحسن تنظيمه وإدارته، وكثرة تبتله ودعائه وقيامه بالليل ... وأرجو أن يكون ذلك كله من عاجل بشرى، وبشارة خير بخاتمة حسنة للشيخ رحمه الله، فالناس شهداء الله على أرضه، وهذا الثناء قل أن يجتمع لشخص.
إن هذه الصفات الكريمة التي اجتمعت في هذا القائد المبارك تذكرنا بواجبنا تجاهه من عدة نواحي:
(1) ـ واجب الدعاء له والاستغفار له والترحم عليه ونشر مناقبه، وكتبه ومذكراته، فقد اجتمعت في كتابته الدقة والأمانة، والشمول، وهذه المعلومات من حق الإرتريين كافة والمسلمين بشكل أخص أن يقرأوها، وقد نشر بعضها في موقع الحزب الإسلامي على الإنترنت.
(2) ـ واجب المحافظة على الرسالة التي من أجلها الشيخ، وأفنى عمره كله في سبيلها، فهي رسالة تستحق أن يضحى من أجلها، حتى ينال المسلمون حقوقهم المسلوبة، ويستعيدوا كرامتهم وعزتهم.
(3) ـ الاهتمام والتأكيد على العمل المؤسسي في مواجهة نظام الجبهة الشعبية، فكدر الجماعة خير من صفاء الفرد، ولم يرض الشيخ يوماً أن يكون بعيداً عن العمل المؤسسي المنظم، وإن أشخاصاً كثر وجدوا في أنفسهم عشر ما كان للشيخ من كفاءات وإمكانيات رأيناهم يصرون على إقامة تنظيمات يكونون على رأسهم، أو يقفون تحت راية الاستقلالية والحياد ـ زعموا ـ وهو ما فتت جهود المعارضة الإرترية عامة، وأطال في عمر النظام.
إنني أعزي في وفاة الشيخ رحمه الله كل محبيه، وعلى رأسهم قيادة الحزب الإسلامي الإرتري للعدالة والتنمية وأسرته المباركة، ثم جميع محبيه، ونسأل الله الكريم المتفضل أن يخلف علينا خيرا منه.

وترجل الفارس


وترجل الفـــــــــارس
بقلم / سليمان يبتيت
2008/10/7
لعمرك ما الرزية فقد مال ولاشاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حرٍ يموت بموته خلق كثير

رزئ الشعب الإرتري المسلم بالأمس برزية كبيرة وفاجعة أليمة حين ترجل عن صهوة العمل الإسلامي والوطني فارس أصيل ومجاهد كبير ، السياسي المخضرم والمربي الفاضل والداعية الحكيم ، إنه فقيد الأمة الإرترية الشيخ المجاهد أبو نوال رئيس مجلس شورى الحزب الإسلامي الإرتري للعدالة والتنمية والذي وافته المنية في الثاني من شهر شوال لعام 1429هـ ، فلبى نداء الحق جل وعلا وأسلم الروح لباريها في الخرطوم ، وفي هذا الفقد الأليم أعزي نفسي وأخوتي في الحزب الإسلامي الإرتري وكل المتعاطين للهم السياسي الإرتري ولجماهير أمتنا الإرترية قاطبة على هذا المصاب الكبير والفقد الجلل ، وبفقده نكون قد فقدنا واحدًا من رجالات السياسة المعدودين وأهلنا التراب على حقبة تاريخية مهمة من تاريخ قضيتنا الإرترية ونضالات شعبنا الإرتري الأبي ، فقد كان الفقيد موسوعة سياسية ناطقة وسفراً تاريخياً مفتوحاً ، نقرأ من خلاله تعرجات قضيتنا الإرترية ودروبها المختلفة ، ولست هنا لأعدد مناقب الفقيد ومآثره وتاريخ نضالاته وإسهاماته ، فقد تحدث أخوة كرام عن ذلك باسهاب واقتضاب ، ولكنني أردت أن أشارك في هذا الفقد الأليم بما أرى أنه حق للأجيال القادمة من توثيق وتدوين لهذه الرموز الوطنية وهذه القامات السامقة في سماء وطننا الكبير وهي توالي تناثرها كحبات الخرز الواحدة تلو الأخرى دون أن تنال حظها من التكريم التي هي أهل له .
فالخرطوم التي ضمت ثراها من قبل رمزاً آخر من رموز العمل الوطني الإرتري عشية الاستقلال ألا وهو الزعيم القائد عثمان صالح سبي ولئن كان سبي قد غيبه الموت ووطنه يرزح تحت نير الاستعمار الإثيوبي الغاشم حينها , فكان من المستساغ ضرورة أن يوارى جثمانه الثرى على أرض الخرطوم ريثما يستكمل رفاقه نضالهم المرير لاستعادة أرضهم السليبة والمغتصبة من براثن المحتل ، ولكننا اليوم أمام موقف مماثل حين تحتضن الخرطوم ثانية رمزاً وطنياً آخر ومناضلا جسوراً وداعية مثابراً ومجاهداً مخلصاً ، يلقي عصا الترحال ، في رحاب العاصمة السودانية الخرطوم ، ومكمن المفارقة أن الوطن اليوم لم يعد سليبا وليس ثمة موانع تحول دون أن تسير في ركاب جثمان الراحل المقيم جموع المعزين في مسقط رأسه "صنعفي " هكذا كان يفترض والوضع القائم ينبئ بذلك ولكن الوطن مختطف من قبل زمرة مارقة وشرذمة تولت زمام الأمور على حين غفلة من الزمن ، وتلجمك الغصة ، ويزيد الجرح النازف ألماً حين نعلم أن رأس النظام كان ممن تتلمذ على يد الشيخ أبي نوال ومحى أميته العربية لديه إبان التحاقه بالعمل العسكري بالميدان ، هكذا روت لنا المصادر الثقات ، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان .
لقد رحل الشيخ محمد إسماعيل وفي نفسه شيئ من حتى ، إذ كان يتوق ويتمنى أن يرى وطنه _ الذي أفنى زهرة شبابه واسترخص في سبيله حياته وكرس جهده ووقته ودعوته ونضاله من أجله _ كان يتمنى أن يراه وقد تحقق له السؤدد الحق والتمكين الصادق غير المنقوص والعافية الكاملة ، وطن يأمن فيه الخائف ويجار فيه الضعيف ويسعد فيه الناس على اختلاف مشاربهم وطوائفهم وإثناياتهم ومذاهبهم وطن تظلله سماء العدالة ويتفيأ ظلال نهضته وتنميته أبناؤه الخلص ، وطن تسوده القيم السمحة فلا تصادر فيه الحريات ولا تنتهك فوق أرضه الحرمات ، وطن سكبت من أجله العبرات ومزقت الأشلاء و الجماجم ، وطن كان مهره أرتال من الشهداء والأنفس الزاكيات ، كان هذا الوطن يسكن في سويداء قلبه وقد رحل ولما يتحقق حلمه ، ولا سبيل اليوم ولا مناص من تحقيق أمنية الشيخ ، إلا بالسير على ذات الدرب التي سلك وذات النهج الذي اختط والتزود بالنضال والصبر على المكاره ، تخليداً لما قد عاش له الفقيد وتأسياً بسيرته العطرة وسمته ووقاره .
في مناسبة تأبين القائد الراحل بتاريخ 3/10/2008 ، والتي أقامها الحزب الإسلامي الإرتري للعدالة والتنمية بالرياض استوقفتني في مداخلات المشاركين في العزاء والتأبين أن كل من تداخل كان يأتي بشيئ مختلف عن الآخر وهم يتناولون بالسرد تجربة الشيخ وسيرته عبر مسيرته النضالية الممتدة ، فهذا يتحدث عن ثباته وشموخه في الشدائد والملمات وذاك يتناول ما يتمتع به الراحل من ذاكرة فولاذية لا تشيخ رغم المحن والابتلاءات والمرض وعامل السن ، تحتفظ بأدق التفاصيل باليوم والتاريخ والساعة ، وآخر يتناول صدقه ونزاهته وعفة لسانه ويده وسلامة صدره وثباته على المبادئ . وقد كان لافتاً الحضور الطاغي على المناسبة من جميع الأطياف المختلفة المنضوية في إطار التحالف الوطني الديمقراطي الإرتري ومن هم خارجه والمستقلين ، القاسم المشترك بينهم هو الفقد الجلل الذي خيم على جو المكان . واستشعاراً بواجبهم تجاه الراحل تنادى الجميع وهبوا للمشاركة في سرادق العزاء ، وهذا أقل القليل في حق القامة السامقة والرجل الأمة محمد اسماعيل عبده . ولعل في ذلك بشرى خير عاجلة للراحل المقيم فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "حين مر عليه بجنازة رجل من الأنصار فاثني عليه خيراً فقال : وجبت ، ومر عليه بجنازة أخرى فأثني عليه دون ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وجبت ، فقالوا يارسول الله وما وجبت : قال : الملائكة شهود الله في السماء وأنتم شهود الله في الأرض " . ولعل في هذه الشهادات التي خرجت طواعية دون إكراه لقائليها وملأت الآفاق ثناءً على الفقيد وامتداحاً لنهجه وسيرته وخلقه وسلوكه وربانيته لقبس من وضاءة وجهه وسلامة صدره وحسن ختامه ، نسأل الله له القبول والرضوان .
ولأننا دوماً نفاجأ برحيل واحد من رموز وطننا الكبير ممن أسهموا في تحريره من براثن المحتل ، ولم يتوانوا في خدمته في مختلف المواقع ، فحين ينعى الناعي رمزا وطنياً نستنفر خفافاً وثقالاً لإبراز محاسنه وتخليد مآثره ، وهذا عمل جميل وعظيم بلا شك ، ولكننا حين نضغط على الذاكرة ونستدعي التاريخ في لحظة الفقد والفقد وحده نظلم الفقيد ، إذ لم نسارع لتكريمه وتدوين منجزاته وإسهاماته النضالية في شتى المجالات والأصعدة قبل لحظة الوداع ، ما يشعر بالحرج وتأنيب الضمير حيث كان من المفترض والطبيعي أن يظل سفره بيننا مفتوحاً وأعماله تتحدث عن نفسها . أقول هذا و قد لمست اندهاش الحضور وأنا أتلو عليهم طرفاً من محطات حياة الفقيد ومقتطفات من سيرته النضالية العبقة في مناسبة التأبين سابقة الذكر ، وكأن الناس يسمعون هذا العمل البطولي والمساهمات الوطنية للفقيد للتو بفعل غياب التدوين والتوثيق .
من هنا أدعو كل الحادبين على مصلحة التراث الوطني ولا سيما ممن كان لهم باع في مسيرة العمل الوطني التحرري في مختلف المراحل النضالية ولا زالوا بيننا _ نسأل الله أن يمد في أعمارهم _ أن يوثقوا للأفذاذ والقيادات التاريخية وللمراحل والشخوص المؤثرة والفاعلة وللجنود المجهولون خلف الكواليس من قادة السرايا والكتائب والفصائل وكل من كان له دور في دحر جبروت الطغيان بالقلم و اللسان والبندقية ، فهل أنتم فاعلون ؟

رحل الشيخ الوقور القائم الصائم والسياسي المقاوم أبي نوال وقد استرد الباري جل وعلا عاريته ولا راد لقضائه وقدره ولا مناص ولا مهرب من التسليم لما أرد ، ولا حول ولا قوة إلا بالله – ولكن دعوته ومنهجه باقيان بحول الله تعالى ، نسأل الله تعالى أن ينزله منازل الشهداء وأن يرفع درجته في عليين لقاء ما قدم لدينه وأمته ووطنه ، و أن يبارك في عقبه وذريته وأن يوفق أخوته في قيادة الحزب الإسلامي للعدالة والتنمية للسير على خطاه وتلمس سيرته ومواقفه ، وأن يلهم آله ومحبيه وتلامذته الصبر وحسن العزاء ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .