الثلاثاء، 3 يناير 2012

حسن البنا القائد الإنساني

بسم الله الرحمن الرحيم

حسن البنا القائد الإنساني

سمعنا بحسن البنا ونحن نرعى الأغنام في جبال ارتريا وهذا حال الملايين من شباب أمة الإسلام الممتدة بين غانا وفرغانة ، فقد تجاوز تاثيره حدود الأقطار العربية حيث عانقت دعوته أدغال افريقيا وثلوج سيبيريا، وأصبح بلا منازع أشهر شخصية إسلامية عرفها التاريخ المعاصر ، وذلك لأسباب عديدة وأبرزها: الخير الذي أجراه الله على يديه في مجال الدعوة الإسلامية ، وتجديد قيم الدين العظيمة في نفوس الناس ،وما كتبه الله له من القبول بين الناس . وتكاد جميع التيارات الإسلامية أن تجمع عليه الصوفي منها والسلفي ، الدعوي منها والسياسي ، الثوري منها والسلمي . فهو أشبه بلوحة فنية بديعة يجد فيها كل ناظر متعتة في جانب من جوانبها . وسوف اسلط الضوء في هذه المقالة البسيطة عن الجانب العاطفي والإنساني في حياته .

حسن البنا وحرارة العاطفة :

يعتبر الجانب العاطفي لأي قائد بمثابة الروح للجسد ، لأنه في منزلة الوالد ،والأخ ، والصديق ، وإذا فقد العاطفة تحول الى جلمود أصم ساكن لا يحس بمعانآة ولا آلام من حوله ، لا يفْرُقُ عنده إن جاع الإنسان او شبع ، ولا تهزه دموع اليتامى، ولا انَاة الأرامل، ولا توجع المريض، واستغاثاة الشيخ الكسيح. لو كان حكامنا اليوم يملكون حرارة العاطفة الجياشة والمشاعر الإنسانية المتدفقة التى حبى الله بها حسن البنا لما كان حال امتنا اليوم مع حكامها كما نرى.

حسن البنا وصاحب الجاموسة:

يزور البنا قرية من قرى مصر فيجد فلاحا مهموما لأن جاموسته مريضة ، فما كان من الإمام الا أن ينشغل ويتفاعل وينصح الأخ أن يذهب بها الى طبيب بيطري ، وقد فعل الرجل ، وبعد سنوات يقابل الرجل فيسأله عن احواله وأحوال ابنائه ، وعن جاموسته التى كانت مريضة !!! أين أنتم أيها القادة من هذه الأخلاق الربانية ؟ . عندما كنت اكتب هذه الكلمات شاهدت تقريرا بثه مراسل احدى القنوات الفضائية من ان الباحثين في مدينة ( خرونقن ) التي تقع في شمال هولندا وجدوا في قرية محيطة عدد سكانها حوالي ( الف شخص فقط ) قد نقًص عليهم البعوض راحتهم بسبب شق قناة في وسط القرية ، فما كان من الحكومة، والخبراء، والباحثين الا السعي والسهر لحل هذه المعضلة التي حلَت على الوطن . فقلت في نفسي : لو شعوبنا تركت للبعوض فقط لهان عليها الأمر ، ولكن المشكلة حتى الحاكم يمص دمها، وجيبها بل يكسر عظامها، ويطحن اضلاعها ، ولو كانت الروح بيده لسحبها ونزعها منها .

حسن البنا القائد يعرف مشاكل تلامذته ويتحسس مشاعرهم :

كتب أحد الاخوان يصف رقة قلب الإمام وحساسيته الشديدة وعواطفه الجياشة، يقول: دخلت عليه فقابلني بالبشر والترحاب، وقال: ستسافر بمشيئة الله يوم الثلاثاء إلي السودان .. فقلت علي الفور: أمر مطاع يا فضيلة المرشد .. وأردت أن أنصرف، ثم التفت إليه فجأة وقلت: ولكن يا فضيلة الأستاذ؟!، قال رحمه الله: ولكن ماذا؟ قلت: إن لي مشاكل كثيرة وشكاوي وفيرة، أود أن أتحدث إليكم فيها بعضها عام وبعضها خاص، فقال: هون عليك، وكّل أمرك إلي الله .. قلت: ولكني أود أن تعرف .. فقال: إنني أعرف .. قلت: إذن أنا أسعد ما أكون، ما دمت تعرف .. ولكنه استبقني وأخذ يتحدث عن مشاكلي وشكاواي يتحدث هو بنفسه لنفسه .. عجبت كل العجب، لأنه أحاط بدقائق نفسي ودخائل حسي، بل إن هناك مسائل كانت في باطن الشعور، هو الذي ذكرني بها .. وما إن انتهي من حديثه، حتي قلت: والله يا فضيلة الأستاذ، إني سعيد كل السعادة ولا أشكو من شيء أبدا .. قلت ذلك وصوتي متهدج ودموعي منهمرة وأحاسيسي متدفقة، ثم هجمت عليه، وكان واقفا لا شيء علي رأسه .. هجمت عليه واحتضنته بين ذراعي في شدة وعنف وأخذت أقبل رأسه .. واستمر هذا الموقف فترة من الزمن، وهو صامت مستسلم، ولم أتركه إلا حيث دخل علينا الأخ الأستاذ/ سعد الوليلي، وإذا بالأستاذ يبكي لبكائي وعيناه مليئتان بالدموع.

وكثيرا ما كان هذا البطل القوي يبكي بدموع غزار. ذكر أنه استلم وهو بدار "الشهاب" برقية من والد أحد الشهداء في فلسطين ردا علي برقية من فضيلة الأستاذ له، وكانت برقية والد الشهيد برقية مؤثرة فيها تضحية وفدائية واستبسال .. بكى الأستاذ كثيرا، وبكى الحاضرون، وكانت لحظات من الحساسية المرهفة والشعور العميق!.

ومع قصة دموع هذا القائد العظيم يروي أحد الإخوان هذا المشهد، فيقول: عرضت علي فضيلة المرشد ذات يوم خطابا من أحد الإخوان، وكان بين عدة خطابات وأوراق قدمتها إليه، وغفلت لحظة أنظر إلى من بالغرفة، وإذا بي أرى دمعات كبيرة تتساقط علي الخطاب .. ودهشت، ولقد كنت قرأت الخطاب قبل ذلك، ولكنه لم يثر في نفسي ما أثاره في نفس هذا الرجل ، وكان الرجل قد تبرع بنصف راتبه الذي يساوي اربع جنيهات ، وكانت الأموال تنهال من الأخوان كالسيول وتتقاطر كالمطر ، ولكن راى الإمام في تضحية الرجل الفقير بنصف راتبه شيئا كثيرا، وقال (: بمثل هؤلاء وبهذه النقود القليلة تنتصر الدعوة) .

يقول الأستاذ عمر التلمساني: “لقد أحيا الإمام روح الجهاد في نفوس أبناء هذا الجيل، وتأثَّر الإمام، وتأثر الشباب، وتأثر آباؤهم وكانت مواقف رائعة، استشهد أحد أبناء الإخوان في فلسطين، فذهب الإمام إلى والد الشهيد ليعزيه، فسمع الناس ورأوا درسًا باهرًا؛ قال الوالد للإمام: “إن كنت جئت معزيًّا فارجع أنت ومن معك، وأما إن كنت جئت لتهنئني فمرحبًا بك وبمن معك، لقد علمتنا الجهاد وبيَّنت لنا ما فيه من عزة ورفعة في الدنيا والآخرة، فجزاك الله خيرًا، وإني لحريص على مضاعفة الأجر، فها هو ولدي الثاني، أقسمت عليك لتصحبنَّه إلى ميادين الجهاد”، فانهمرت دموع، وعلا تشنج، وتصاعدت زفرات وارتج على الإمام من روعة الموقف.

لا تميزبين القيادة والقاعدة :

يحضر الشيخ / البنا مؤتمرا في باكوس ، ويوصي مرافقه أن يوقظه ( قبيل الفجر ) ، ولكنه لم ينم الا قليلا ، وحضر عدد لابأس به من الإخوان لتسحروا معه ، ووضع بين يديه طعاما فاخرا ، فقال : هل جميع الأخوة سوف يأكلون مثل طعامي ؟ فقيل له : كل واحد منهم أحضر طعامه من بيته ، فرفض تناول الطعام وأكل معهم ، ولما جاء موعد عودته الى القاهرة في الصباح يسأل عن بواب العمارة فقيل له : إنه نائم ، فأعطاه لهم مبلغا من المال ، وأوصى بإبلاغه السلام والتحية .

حسن البنا والأخ أحمد شوهان:

حضر إخوان مدينة (أبو كبير شرقية) مؤتمر الإخوان المسلمون في مدينة (الزقازيق) الذي يتحدث فيه فضيلة المرشد العام حسن البنا .. وهناك إلتقى الأستاذ البنا بالإخوان وتعرف عليهم كل بإسمه وعمله.

وبعد أكثر من عامين زار الأستاذ البنا مدينة أبو كبير، وعند لقائه بالإخوان فوجئ الأخ أحمد محمد شوهان بأن فضيلته يسلم عليه باسمه .. وتعجب الأخ أحمد وهو يعمل نجارا بسيطا، كيف تكون له هذه المنزلة في نفس الأستاذ البنا، وظل يباهي بها إخوانه!

وهكذا كان الإمام البنا يعطي كل أخ حقه من التقدير دون النظر إلي طبقته الاجتماعية، فالجميع إخوان مسلمون ولا تدري في أي منهم يكون الخير والأمل المنشود.

خزان من المشاعر يفيض في كل جانب :

الحاج عبد الرزاق هويدي يستأذن فضيلة الشيخ في السفر إلي بلدته، فلما سأله فضيلة المرشد عن سفره المفاجئ أخبره بأن جده مريض ويريد أن يعوده. فدعا له فضيلة المرشد وطلب من الحاج عبد الرازق أن يبلغ جده خالص تمنياته له بالشفاء.

وفي اليوم التالي فوجئت عائلة هويدي بالأستاذ المرشد يحضر لزيارة جدهم الكبير، وكانت مفاجأة أثارت اهتمام العائلة جميعا فأسرعت ترحب بمقدمه، وشباب عائلة هويدي لهم ميول سياسية متباينة فمنهم الوفدي ومنهم السعدي، وحول سرير الجد الكبير دارت بعض الأحاديث الخفيفة، وتكلم الجد بكلمات ترحيب وشكر للأستاذ المرشد، ونوه بفضل الإخوان في أنهم جعلوا الحاج عبد الرزاق شخصية إسلامية مؤمنة .. ورد الأستاذ المرشد، فقال له إنه لا فضل للإخوان في ذلك، فالإخوان والحمد لله يرزقون من كل عائلة كريمة بمن يمثلهم في هذه العائلة.

ونزلت هذه الكلمات الرقيقة الواعية علي قلوب الجميع بردا وسلاما، وتذوقوا فيها قيمة الدعوة والداعية.

سنقاتل أعداءنا بالحب:

قام الإخوان بإنشاء فرقة كشافة وجوالة لشباب الإخوان ، وكان الزي الذي ترتديه ( بنطول قصير) فجاء أحد الأخوة الفضلاء وقال لحسن البنا ( أنا اكرهك ) فإبتسم الشيخ وقال له " إني والله أحبك " فقال الرجل : ولكني اكرهك في الله ، فقال له والبسمة لا تفارقه: " هذا يزيدني فيك حبا " وكان رحمه الله يردد في دروسه كلمة ( سنقاتل الناس بالحب ) وكان يقول : ("نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه")

هتافات الأطفال تنبعث من قلبه فيحسها في اذنيه :

في عام 1948 يفقد الإمام البنا خيرة إخوانه الذين زج بهم في السجون ، وترك وحيدا كسيرا اسيفا مهموما ، كان يقوم يصلي من الليل فيضع اصبعه في أذنيه ، ويريد أن يأكل فتعاف نفسه الطعام ، وكأنه يسمع بكاء الأطفال الذين فقدوا آبائهم ، مآساة بيوت كاملة زوجة ترملت وهي في عصمة زوجها ، وطفلة تيتمت وابوها على قيد الحياة ، واب فقد إبنه من غير جريرة ، وقلب ام ملوع من غير ذنب ، والإمام البنا يشاطرهم الهموم والوجد، فلما قيل له أن يخرج من مصر هاربا ؛ قال : هذا هو الجبن ، كيف أترك هؤلاء في المعتقلات ولا أسعي لإخراجهم!ولم يقبل طلب إخوانه المساجين منه وبإصرارأن يخرج ويوكل امرهم لله ، فرفض رحمه الله رحمة واسعة.

ولما قال له البعض وهو يمر بهذه الظروف القاسية والمنحنة العصيبة : أليس هذا أوان ( (أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا..؟). قال: لن أكون داعية فتنة، ولن آمر بمنكر .. ولن أغضب لشخصي، ولن انتقم لنفسي.

يقول بعض من عاش مع الإمام البنا : (لقد كان حسن البنا روحا كبيرة فسيحة تملأ كل الفراغ كما يملأ الهواء كل الأجواء، وكان الحضور معه يعني أن تعيش مغمورا في بحر من السعادة والنور .. فهو يتعامل معك كأنك وحدك المقصود بكل عواطفه ومشاعره، وليست هذه العاطفة منه مجاملة أو ترضية، ولكنها عاطفة صادقة حقيقية عميقة رقيقة تجيش بالحب)

أسد في الوغى وعفيف عند المغنم :

يقول محمد الأمين الحسيني مفتي فلسطين: ذات يوم زارني حسن البنا وجلس إلي جواري وتجاذبنا أطراف الحديث، وبعد برهة من الوقت جاء ضيف، فتخلي حسن البنا عن مكانه بجواري .. وكلما دخل ضيف آخر ترك حسن البنا مكانه مفسحا للقادم الجديد وهكذا حتي أصبح مكانه إلي جانب باب حجرة الطعام .. ولما حان وقت الطعام وفتحت الغرفة، وكان من الطبيعي أن يكون أول الداخلين هو حسن البنا، ولكني لاحظت أنه أخذ يتراجع حتي صار آخر الداخلين .. فأدهشني هذا الخلق الرفيع!!.

يأسرُ بأخلاقهِ ( الفتوة والبلطجية ) أمثال إبراهيم كروم ،ويدخل السرور على ضيفه الكبير عليم الله صديقي وذلك بإهدائه هديته الخاصة له ، ويعانق بحرارة العامل في سكة حديد الأسكندية، ويأخذه بيده ويجلسه بجواره في الصف الأول ، وكان من قبل يحضر المجالس وينصرف ولا يعبئ به أحد ، هكذا يلقن الناس درسا عمليا على الإهتمام بالناس ، وإنزالهم منازلهم ، وتقديرهم ، وإكرامهم ، فلسنا ندري إن كان الخير والصلاح في عامل قضيب سكك الحديد ام في العالم النحرير .

هل تدري أخي في الله ماذا فعل هذا الرجل ؟ اليك قصته حية طرية !!!

بعد شهور يقود الإمام الشهيد مظاهرة نصف مليونية من الأزهر الشريف الى الكونتيننتال حيث يوجد زعماء العالم العربي ، اراد الإمام البنا أن يسمعهم صوت عشرة آلاف من الإخوان حملوا أرواحهم في أكفهم ، وإستعدوا لمنازلة عصابات اليهود في ارض الأقصى الشريف ، وفي اثناء المسيرة أطلق البوليس النار على المتظاهرين فأصيب الأستاذ البنا في يده فلما راي الدم يتدفق منها تمثل قول الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة فقال : هل أنت إلا إصبع دميت *** وفي سبيل الله ما لقيت.

وفي نفس اليوم يصاب عامل سكة الحديد فيلقى الله مقبلا غير مدبر.

سوف اكتفي من عاطفة الإمام البنا بهذه الومضات البسيطة التي نقلتها لكم من كتابات بعض من عاصره ، او ممن سمعته بنفسي من اولئك الرجال العظماء الذين التقيت بهم أثناء دراستي في جمهورية مصر العربية ، فإن مما تميز به الإمام البنا عن بقية القادة تطبيقه منهج رسول الله- صلى الله عليه وسلم – في الحب والإهتمام والتواصل ، ليس تدريسا وتعليما ، ولكن عملا وتطبيقا ، وما احوجنا لهذا الخلق الآثر ، والسلوك النادر،والتطبيق الفاعل . رحم الله الإمام المجدد ، وشيخ الصحوة المعاصرة.


محمد جمعة أبو الرشيد

كاتب وباحث ارتري

بريطانيا

Mja741@hotmail.com

الاثنين، 14 مارس 2011

الحركة الإسلامية الإرترية ( المنهج والقيادة )

الحركة الإسلامية الإرترية ( المنهج والقيادة )
08/05/1431 الموافق 21/04/2010

ارتريا دولة تقع في منطقة القرن الأفريقي ، كأنها ترقوة تطرز كتف القارة السمراء ، وهي بالتأكيد رئة الوطن العربي ‏، شرف الله هذا البلد بهجرة الصحابة إليه ، حيث وصلها الإسلام قبل المدينة المنورة ، ويذكر المؤرخون مثلا أن ‏مسجد الإمام الشافعي في مدينة مصوع يعتبر أحد أقدم المساجد في القارة الأفريقية.‏
وكانت سواحلها تسمي - ببلاد الطراز الإسلامي - وهي واحدة من أجمل البلدان الأفريقية ، وإن كانت تعاني بل تئن ‏من وطأة الحروب التي اشتعلت فيها ، ولا تكاد تخمد ، وهي حروب قد فرضت علي شعبها ، ربما بسبب موقعها الخطير ‏والمطل علي الجزيرة العربية ، حيث يمكن المشاهدة من العاصمة أسمرا بالمناظير المكبرة جبال مكة ووديانها ، ‏وقد وصفها النبي عليه الصلاة والسلام بأنها [أرض صدق] وعرف أهلها بصدق الحديث وصدق المبادئ ..
وكان ‏وعي المسلمين مبكرا جدا بما يحاك لأمتهم الإسلامية ولوطنهم المحسود ، فأسسوا في أربعينيات القرن الماضي ‏حركة إسلامية تطلبتها ظروف وضرورات المرحلة آنذاك تحت اسم ( الرابطة الإسلامية الأرترية ) وقد خاض ‏قادتها معارك سياسية ناجحة لحفظ وحدة البلد وتحريره من المستعمر ، ولما تم وئد الحركة الوليدة بعدَة طرق ‏ووسائل ، ومنها تشريد قادتها ، واغتيال بعضهم سارع المسلمون في ارتريا بتأسيس ( جبهة التحرير الأرترية ) التي ‏خاضت حروب طويلة من أجل تحرير البلد ، وكان ضمن من شيدوا بناء الثورة الوليدة شباب مسلم طاهر متدين نشأ ‏في أحضان جماعة ( الإخوان المسلمين) في مصر والسودان وغيرها ، وعلي رأسهم القائد المجاهد الجسور ‏الشهيد سعيد حسين الذي كان يقاتل في فلسطين ضمن كتائب المتطوعين التي كانت تقاتل اليهود في فلسطين ، ‏وعندما تم الغدر بتلك الكتائب وتم إبعاده إلي بلده التحق بالثورة الإرترية مباشرة ، وكان من قادتها وشجعانها ، ‏وكذالك إخوانه أمثال محمد إسماعيل عبده رحمه ، وحامد صالح تركي أمد الله في عمره .‏
الحركة الإسلامية الأرترية المعاصرة مبادئ وقادة :‏
أسست الحركة الإسلامية في بداية سبعينيات القرن الماضي علي يد ثلة من الشباب الغيور علي دينه ، وعلي ‏رأسهم الأخ الأستاذ الدكتور الشاعر والأديب / صالح علي صالح رحمه الله وإخوانه ، وقد جعلت الحركة منهجها ‏الفكري مستندا إلي الحركة الأم ( جماعة الإخوان المسلمين ) التي نهلوا من منهجها ، وتربوا علي أيدي ‏مشايخها ، ولم يفوتهم أن يصبغوها بخصوصيات وطنهم ومتطلباته ، وأن يثقلوها بهمومه ، ويشعلوها بآماله ، فمضوا ‏بها حركة راشدة تبني النفوس ، وتقوم الأخلاق ، وتمكن العقيدة السليمة ، وتسعي لرفعة البلد ، وتحافظ علي ثوابته،كما ‏احتوت القادة الكبار الذين ساهموا في مسيرة النضال الوطني تأسيسا وبناء وتنظيرا وجهادا وتضحية ..
وقد كان ‏هؤلاء القادة قد تعرضوا للتضييق والاضطهاد والسجن والنفي ، بل قتل بعضهم ، وهم يؤدون واجبهم الثوري والنضالي ‏والدعوي ، وذالك علي أيدي حزب العمل الأرتري الذي كان يتبنى أتباعه الفكر الماركسي ، ولم يكن لهم ذنب ‏جنوه إلا محاولة إصلاح الفساد الذي نخر نخاع الثورة ، وتمكن في مفاصلها ، وذالك بفعل العناصر التي تبنت المنهج ‏الماركسي ، وقد بذل هؤلاء المصلحون جهود مضنية للحفاظ علي الثورة منهجا وفكرا ونضالا ثوريا ، ولكن التيار ‏الماركسي كان في تلك الفترة ينتشر في أقطار العالم ، وفي داخل الثورة الأرترية انتشار النار في الهشيم ، وما كان ‏منهم إلا القيام بإقصاء كل من عداهم ، وعندما يأس الشيوخ من إصلاح ( جبهة التحرير ) من الداخل وإرجاعها ‏إلى مسارها الذي حادت عنه أسسوا ( منظمة الرواد المسلمين الأرترية ) كأول تنظيم إسلامي سياسي يظهر في ‏الساحة الأرترية بعد التجربة الأولي مع ( حزب الرابطة الإسلامية في الأربعينات ) وقد وجدوا ثلة من الشباب ‏الغيور علي وطنه قد أسسوا حركة وليدة ( الحركة الإسلامية الأرترية ) وقد انتظم في سلكها في وقت وجيز كم ‏هائل من الشباب المسلم المثقف الواعي والمثقول بهموم وطنه وشعبه، وقد سر المشايخ بهذا الجهد سرورا ‏عظيما فالتحقوا بها هم ومنظمتهم ، فكان الآباء ولا يزالون نعم الآباء توجيها وتثقيفا ، وكان الأبناء خير ضمانة ‏لحماية هذا العمل والسهر له بكل حماسة وقوة..
وقد تنقلت الحركة الإسلامية عبر محطات ومراحل ، فمرحلة ‏التأسيس كانت سرية ، ومرحلة البناء تنقوية ، ومرحلة الانفتاح جهادية ، واليوم هي في قمة نضوجها الفكري ‏والسياسي والشعبي ، وفي قمة تماسكها التنظيمي، وقد حملت في كل مرحلة اسما يناسب ظروفها ومتطلباتها ، ‏فكانت في مرحلة الكتمان ( حركة ) وفي مرحلة التأسيس ( رواد ) وفي مرحلة الانفتاح (جهاد) وفي مرحلتها ‏الحالية ، وهي تتأهب لحكم بلدها ( حزب إسلامي ) شعاره العدالة والتنمية .‏‎ ‎‏ ‏
رحيل القادة والمؤسسين :‏
فقدت الحركة الإسلامية منذ تأسيسها عددا من كوادرها وقادتها ومشايخها الذين كان لهم الأثر الطيب في مسيرة ‏الحركة وبنائها وتأسيسها نسال الله أن يتقبلهم في الصالحين ، كما عانى وما يزال يعاني كم هائل من مشايخها ‏ودعاتها قساوة السجن والسجانين ومرارة الحرمان من غير ذنب جنوه ، ولكن هي سنة الأنبياء ، ومسيرة الرسل ، ‏وطريق العبودية المليء بالمكاره ، والمحاط بالأشواك ، وعلي قدر الصبر والاحتمال تتحقق الآمال ، ويبزغ فجر الأنوار ، ‏وتزول الظلمات ، ويتسع ضيق الطريق ، وترفع الكربات ، وتزول الهموم ، ويعانق الدعاة شمس النصر ، ويتوجون بأكاليل ‏التضحيات ، ويريهم الله قدرته في معيته معهم ، وقذف السكينة والطمأنينة في روعهم ، وتتحقق في أرض الواقع ‏مبادئهم ، إن عاشوا عاشوا سعداء ، وإن ماتوا ماتوا شهداء ، يموتون ولا تموت مبادئهم ، يدفنون ولا تدفن آراؤهم . ‏
‏وقد فقدت الحركة الإسلامية الأرترية في1/أكتوبر/ 2008م الشيخ الرباني العابد القانت الورع الزاهد الشيخ / ‏محمد إسماعيل عبده ( أبو نوال ) رئيس مجلس الشورى[ للحزب الإسلامي الأرتري للعدالة والتنمية ] وقد بكته ‏العيون ، وفقدته القلوب ، فقد كانت رؤيته تسر العيون وتسعد القلوب ، ومن حق المسلمين في العالم أن يعرفوا هذا ‏الرجل القدوة ، فما أحوج أمتنا اليوم أن تتطلع إلى سيرة العظماء ، وتقتبس من نبراسهم ، وتمضي علي دربهم ، وقد ‏كان الشيخ / محمد إسماعيل عبده رجلا صالحا ( نحسبه كذالك والله حسيبه ) وقد تتلمذ علي أيدي مشايخ الدعوة ‏الأولي ، وعلي رأسهم الشيخ المجدد والعالم الفريد مفجر الصحوة الإسلامية المعاصرة ) الشيخ حسن البنا ) فقد ‏كان الشيخ أبو نوال يحرص علي حضور درسه المعروف ( بحديث الثلاثاء) وقد انتظم في سلك الدعوة الإسلامية ‏هناك في مصر وهو طالب علي أرضها ومعه ثلة من الشباب الأرتري ..
ولما تم التضييق علي الدعوة وزج ‏بأتباعها في السجون والمعتقلات أصبح مستحيلا علي الطلاب الوافدين الاتصال بإخوانهم المصريين ، ووقتها ‏كانت تلوح في الأفق تأسيس الثورة الارترية ، فما كان منهم إلا أن التحقوا في صفوفها يدعون إلي الله ، ويجاهدون ‏في صفوفها ..
وقد تقلد فيها/ الشيخ أبو نوال مناصب عديدة ومن أشهرها مسئول ( محكمة الاستئناف العليا ) التي ‏جعل عملها موافقا للشريعة الإسلامية ؛ مما فتح عليه هجوما قاسيا من العناصر العلمانية التي كانت تسعي لإبعاد ‏الدين عن الثورة الأرترية وعن الشعب الأرتري برمته ، ولكنه تحمل كل ذالك بصبر عجيب ، فهو رجل لا تستفزه ‏الأقاويل ، ولا تزعجه الأراجيف ، ولا توقفه الصخور الرواسي ، فهو رجل صاحب همة فريدة وصدر واسع ، وصبر ‏جميل لا تكبحه عن مقاصده قيود الأرض ، ولا صيحات المثبطين ، ولا نداء العاجزين ، لا يلتفت لصغائر الأمور ، لا ويغضب ‏ويحمر وجهه إذا رأى انحرافا أو اعوجاجا مقصودا ، ولا يهدأ له بال حتى تسير الأمور علي مساراتها ، وتوافق ‏طبيعتها وفطرتها .‏
الطهارة والنقاء :
عرف الشيخ / محمد إسماعيل عبده بالورع والزهد وطهارة اليد، ففي كل المواقع التي تولاها سواء كان في الثورة ‏الارترية التي تولي فيها أعلي المناصب القيادية أو الحركة الإسلامية التي كان قائدها وشيخها و(مراقبها العام) لم ‏يعرف عنه في كل تلك المواقع أن يمد يده إلى فلس واحد من أموالها ، وقد شهد له الجميع بأن كل قرش يعطى له ‏لشخصه في أي زيارة يضمه إلى صندوق العمل العام ، وكان ورعا لا يسأل الناس ، وإذا ضاق عليه الحال ذكر ‏أنه كان يخرج في سبيل الله ما بقي له في بيته ، وقد مرت به في حياته هو وأسرته جوع وعطش وحرمان ، ولقد ‏رأيته كثيرا وهو يتجول بحذائه المقطعة ، وملابسه النظيفة التي كاد القدم أن يتلفها ، كانت الناس تحبه ، وتعطيه ‏الأموال من أجل العمل ، ومن أجله ، فلا يتناول منها شيئا وهو في أشد الحاجة إليها ، لله درك يا أبا نوال .‏
لذة العبادة ونشوة القلب :
كان فضيلة الشيخ / أبو نوال رجلا روحانيا ، حاضر الدمعة ، رقيق القلب ، سريع التأثر بكلام الله ، عاشقا لقيام الليل ، متيم ‏بحب كتاب الله ، كان قليلا ما يهجع من ليله ، كثير الاستغفار والإنابة ، شديد الخوف من ذنوبه ، أذكر مرة صلينا الفجر ‏سويا في مكان ما ، وبعد الصلاة قلت خاطرة صغيرة لا أذكر موضوعها الآن فرأيت الشيخ يداري دمعه ، ويمسحه ‏بطرف ثوبه ، كان شديد الحياء ، يكره المعاصي ، ويحب الطيبات ، قد ألجم لسانه عن ذكر معايب الناس ، كان يحب ‏الثناء علي الناس بما فيهم من فعل الخير ، ويشجعهم علي الالتزام بالدين ، قد أورثته عبادته لله وانقطاعه له حب ‏الناس وحلاوة اللسان ونور الوجه وضياء القلب، فكان وجهه يتهلل نورا ، ومجلسه يشع خيرا ، فكان كلامه قليلا ‏، ولكن تأثيره عميقا ، خطواته مباركة ، ويومه مثمر لا يكل ولا يمل ، حاضر البديهة ، قوي الذاكرة ، روحه شابة ، وطرفته ‏حاضرة ، لم يكن يأكل ملئ بطنيه ، ولا يضحك ملئ شدقيه ، ولكنه كان يتبسم ، كأنه فلقة قمر ، رحمه الله رحمة واسعة . ‏
الشيخ والوقت :‏
كان الشيخ يعرف قيمة الوقت ، ويسيطر عليه ، وينتفع به ، وكان أشد الناس حرصا على ضبط وقته ، فتجده ينجز في ‏يومه ما لا ينجزه عشرات الرجال ، وكان منضبطا في مواعيده ، ويحتفظ بوثائقه ، فهو إنسان مرتب في كل شيء ، في ‏ملبسه ، في وقته وكلامه ، وإذا وجد فراغا في وقته اغتنمه لقراءة القرآن والذكر أو زيارة الإخوان والأقارب ، أو ‏ترتيب الأوراق ، أو الجلوس مع الأبناء ، وقد رزقه الله ذاكرة كأنه اقتبسها من شيخه حسن البنا ، رحم الله الجميع ، فكان ‏تقريبا يحفظ جميع أسماء أبناء الحركة ، وأسماء قيادات الثورة وقيادات العمل الإسلامي في العالم ، من قابله منهم ‏ومن لم يقابله ، ولقد تأسفت جدا ألا أرى كلمة مكتوبة من قادة العمل الإسلامي حول الشيخ ، وخاصة أمثال الشيخ ‏الغنوشي والهلباوي والقرضاوي ، وأزعم أنه تربطهم به علاقة طيبة وزيارات متبادلة. ‏
مرض الشيخ ورحيله عن دنيانا: ‏
الشيخ من مواليد مدينة ( صنعفي ) في ارتريا ، وفيها بدأ تعليمه ، وانتقل منها إلى مصر طلبا للعلم ، وعاد إلى ‏ارتريا يعمل سرا- في العاصمة{ اسمرا} وهي في ذالك الوقت تجسم تحت الاحتلال الأثيوبي - علي مساعدة ‏الثورة ، فلما حاول العدو القبض عليه لجأ إلى أثيوبيا ، ومنها إلى الميدان قائدا ومقاتلا وداعيا ومربيا ، وقد قبض ‏عليه بتهمة العمل الإسلامي داخل الثورة الارترية ، وعذب وحكم عليه بالإعدام ، لكن أجل الله أجله فنجا ، وظل يعمل ‏طوال هذه السنوات بدون كلل ولا ملل حتى ترك الحركة الإسلامية اليوم وقد اشتد عودها ، وقويت شوكتها ، وزاد ‏أتباعها ، وانتشر منهجها ، وقد ختم الله للشيخ محمد إسماعيل عبده خير ختام ، فقد يموت الإنسان علي ما عاش عليه ‏، وقد عاش للدعوة وبالدعوة وللدعوة ..
وفي السنوات الأخيرة اختير مسئولا لمجلس الشورى في [الحزب الإسلامي ‏الارتري للعدالة والتنمية] وكان قليل الحركة ، ففرغ وقته لعشقه المتجدد ، تلاوة كتاب الله ، وحفظه بالكامل حفظا متقنا ‏، ومواصلة قيام الليل مع كثرة العلل ، وقد صام شهر رمضان ، وصلى الفجر ، ثم جمع أهله وأوصاهم بالتمسك بالدين ، ‏وأخبرهم أنه يحس أنه مفارق الدنيا ، ثم شرع كعادته يقرأ ورده من أذكار الصباح ، ثم تمدد وتجهز وانتقل إلى رحمة ‏الله .‏
من أراد التعرف علي سيرة الشيخ فليراجع المدونة التي عملت باسمه تحت عنوان مدونة / الشيخ الراحل / ‏محمد إسماعيل عبده .‏
رحم الله مشايخنا جميعا السابق واللاحق:‏
عندما توفي الشيخ محمد إسماعيل عبده اختار الحزب في مكانه أحد أعمدة العمل الإسلامي الارتري الدكتور / ‏صالح علي صالح الأديب والشاعر والفقيه والمنظر وكان نعم الاختيار الموفق ، و كانت المفاجأ أن لحق الشيخ ‏صالح سريعا بشيخه محمد إسماعيل ( وإنا لله وإنا إليه راجعون ) والدكتور صالح هو من مؤسسي الحركة ‏الإسلامية الارترية.
وإن شاء الله سوف نعرِف به وبإخوانه المسلمين في العالم في المقالة القادمة
المصدر : موقع السودان الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلاميون في العالم والقضية الأرترية.
وانا من صغري مولع بمتابعة أخبار بلدي في كل الوسائل الإعلامية ، وعندما اجد شيئا مكتوبا تجدني اسبح في غمرة الفرحة ، وكأننا توجنا ملوك الأرض ، واخذنا قيادة البشرية ،وكأنما وضعت الشمس في يميننا والقمر في يسارنا ، واعتقد هذا دأب كل ارتري عاش غربة القرن العشرين ، حيث كانت الثورة الأرترية تذود عن حمى الديار ، وتصد جحافل الغزاة، حتى ان مدافنا كانت تُسمعُ في مقر (منظمة الوحدة الأفريقية ) ولكنها كانت تحشُوا الكرفس في آذان قادتها، فكنا نلتفت في كل اتجاه فلا نجد الا مص الشفاه ، وفرقعة الأصابع ،ولي الأعناق ، والتجاهل لقضية شعب بكامله، تعرض لسلب ارضه ظلما ، ومورست عليه كل انواع القمع ، ومع ذلك ظل عالم القرن العشرين، يوصد قلبه بالأكنان ، ويتظاهر بالصمم ، وكان هذا الأمر يؤلمنا ويكرر الإيلام في خلايانا ، ولو كان هذا من الأعداء لهان ، لكن أن يكون من الأصدقاء فهو الألم والحسرة اللآمتناهية في ضمائر الأحرار الذين ينشدون العزة والكرامة في او طانهم.
المسلمون الأرتريون أقلية !!!!
عندما بدأت في كتابة هذه الأسطر القليلة ، كان الهدف منها أن اتناول خطأ كان يقع عليه بعض القلة من الكتاب الإسلاميين ، وربما ما زالوا ، وهو انهم يصنفون المسلمين في ارتريا في ( الأقليات الإسلامية في العالم) ، ولكن في أثناء البحث خطرت لي فكرة ، وهي هل يعلم الأرتري وخاصة المسلم قبل المسيحي دور( الحركات الإسلامية) في مساندة القضية الأرترية قبل مرحلة الكفاح المسلح و في أ ثنائها ؟ وقد حرف هذا التساؤل وجهتي ، فأردت أن استفز ذاكرة الباحثين لهذه القضية المهمة من وجهة نظري .

فقد كنا نجد ونحن طلاب صغار ، وقلوبنا مفعمة بحب الوطن الغالي ، ومتشوقة للإنعتاق من قبضة المستعمر الظالم كنَا نجد الكتَاب الإسلامين والعلماء والدعاة والمفكرين ومن لهم منابر اعلامية يهتمون اهتماما كبيرا بالقضية الأرترية ، وكان هذا مصدر فخرنا وسعادتنا ، واظن نحتاج دراسة متكاملة لهذا الأمر ، وذلك لإزالة اللبس الذي وقع فيه قطاع كبير من الأرتريين، حيث ظن بعضهم بأن الحركات الإسلامية في العالم الإسلامي لم تول قضيتهم الإهتمام اللآئق بها كأحد قضايا الأمة الإسلامية ، وهي فرصة كذلك لكشف اللثام وإزالة القناع الذي ضربناه نحن قراء العربية حول المساهمات الإعلامية لـ ( الحركات الإسلامية ) في العالم، ودور تلك الحركات في نصرة قضيتنا التي بذلنا من اجلها المهج والأرواح ، واحببنا وخاصمنا من اجلها القريب والبعيد ، وهي فرصة كذلك لتبيين الحقائق ، وبذل المعروف لأهل المعروف ، وتقديم الشكر لمن احسن الينا.
مواقف ساطعة كالشمس في رابعة السماء:
اعتبرت الحركات الإسلامية القضية الأرترية قضية اسلامية محورية لم تغب يوما عن مجالسهم ، ولم تبتعد عن همومهم ، فهي حاضرة في اعلامهم ، ومذكورة في منابرهم ، وربما تكون خلت منها مضابط مجالسهم واجندتهم بسبب تقصيرنا ، حيث انصرف الشباب الأرتري في نهاية الستينات وبداية السبعينات الى مجالس حملة الأفكار الماركسية ، والبعثية ، والقومية . وأنا لست اوجه نقدا لأحد لكن كان ينبغي لصاحب قضية تحررية أن يكون همه تحرير بلده ، والتعاون في سبيل ذلك بكل من يريد مساعدته والوقوف معه من غير قيد وشرط ،ولكن للأسف في وقت كنَا نستجدي فيه مثلا كثير من الجهات، والمنظمات، والهيئات في انحاء العالم ، وكنا نحلم بلمحة من لحظهم الكحيل وببسمة من ثغرهم الباسم ،لم نكلف انفسنا لمعانقة من فتح لنا ذراعيه ومصافحة من مد لنا يديه ، ولست في حاجة الآن لسرد امثلة عديدة ، ولكن ما قابلتُ مفكرا او عالما او صحفيا بارزا من قادة العمل الإسلامي وشرحتُ له اوضاع بلدنا ، إلا واخبرني بالمرارة التي يغصُ بها حلقه ، وذلك لإنشغال جل القادة الأرتريين عن قضيتهم الرئيسة بقضايا هامشية ، ومنها محاولة الدخول في تحالفات، وتحديد المواقف بالأفكار والأيدلوجيات ، وما اظن أن قائدا ارتريا كلف نفسه لزيارة قادة العمل الإسلامي في الوطن العربي ،[ الا اسياس افورقي وزياراته المتكررة للزعيم الإسلامي في السودان/ حسن الترابي، وكما يقال في المثل : لأمرما جدع قصير أنفه !!! ]، وقد يتخيل الشباب الناشئ انا قادتنا المبجلين ربما ابتعدوا من زيارة هؤلاء حتى لا يغضب عليهم حكام العرب او السيد / العم سام ، الذي يغضب العالم لغضبه ، او لكسب ود الساسة الأروبيين ، لكن في الحقيقة لم يكن هذا ولاذاك ، فقد كان العالم افضل مما هو عليه اليوم في الإتصال والتواصل ، لكن ربما كان السبب افكار سكنت في العقول ، وقناعات ترسخت في النفوس فحادت باصحابها بعيدا عن حب الحبيب ، وتوقير الجار والقريب ، ونأت في شاطئ الأفكار بعيدا ، حيث تقاذفتها امواج المصالح العالمية ، ولست انسى وانا طفل صغير ، عندما سمعت من بعض الشباب الأرتري الممركس ( المنتمين للأفكار الماركسية ) بأن نظام الدرق نظام ثوري تقدمي ، ينبغي ان نبني معه ثورة الكادحيين!!!!!! لم افهم مما قال من فلسفات شيئ : غير اني ادركت من يومها بأن الأفكار خطرة خطر النار في الهشيم ، فإن كان السُكر يغيب العقل ، فربما كل هوي مغلُوط يغيبُ الحقائق ويعمي البصائر:
نماذج بسيطة :
اهتمت الحركة الإسلامية منذوا نشأتها بقضية ارتريا ، فقد إحتضن الإخوان المسلمون الطلاب الأرتريين في مصر من أيام الشيخ / حسن البنا ، حيث انتظم في صفوفهم المناضل الكبير واستاذ الفدائيين الأرتريين الشهيد / سعيد حسين الذي اشترك مع كتائب المتطوعين من الإخوان المسلمين في حربهم ضد العصابات الصهيونية في فلسطين، وكذلك انتظم في صفوفهم ابو الحركة الإسلامية الأرترية المرحوم الشيخ / محمد اسماعيل عبده، وغيرهم من الطلاب ، بل ارسل الإخوان بالتعاون مع بعض المؤسسات الرسمية في مصر بعثة الى ارتريا ،برئاسة الشيخين عبد الله المشد، وفضيلة الشيخ محمود خليفة،رجعا بتقارير موثقة اورد جزء منها / سيد قطب رحمه الله ، في كتابه – دراسات إسلامية – نبذة وافية ، وقال الشيخ / حسن البنا : لقد ارسلنا الى جنوب الوادي بعثة أنشأت شعبة للإخوان المسلمين في أسمرا،وظل الإخوان ينظرون الى قضية ارتريا بإعتبارها قضية إسلامية صميمة يجب مناصرتها والدفاع عنها، بل كان مقر الإخوان المسلمين قديما في ( الدرب الأحمر) قبلة لجميع المناضليين والثوريين من مختلف انحاء العالم ، وكان القادة الأرتريون يستقبلون بحفاوة بالغة ، ولست ادري لماذا اداروا ظهرهم للجماعة ، ربما تكون ظروف تغييب الإخوان في السجون هي السبب !، أو قد يكون غسل بعض قادتنا الذين هيمنوا في جسم الثورة أيديهم عن دين الله هو السبب ! !!

كما أن مواقف الحركة الإسلامية في السودان ، وإعلامها، وأعلامُها تجاه القضية الأرترية مشرف ومعروف ، فقد نافحت الحركة الإسلامية عن القضية، ودافعت عنها في داخل السودان وخارجه ، وكانت جريدة الميثاق ومن بعدها الراية لا تخلوان من أخبار ارتريا ونضالها وحق شعبها في الحرية ، وان كان استاذنا البرفسور / حسن مكي ، كاد يسبب لي قرحة في المعدة او حتي جلطة دماغية ، او سكتتة قلبية ، حيث كان الصوت النشاز في داخل الحركة الإسلامية السودانية الذي كان يعارض استقلال ارتريا ، بحجة ان انفصالهم هو مزيد ضعف للمسلمين في اثيوبيا ، وكنا نقول له : اولا ينبغي ان تقر بحقوقنا في الإستقلال ونيل حريتنا التي سلبت ، وبعض ذلك نقرر بحر ارادتنا التعايش مع اثيوبيا او الإبتعاد عنها ، ومع ذلك يمكننا دعم اخواننا والوقوف معهم ، والقيام بحقوق الجار .
ولا انسي الأساتذة الفضلاء امثال/ الصادق عبد الله عبد الماجد حفظه الله ورعاه ، والذي كانت بيته مأوى الأرتريين، وكان يبذل ماله ووقته لهم ، وكانت جريدتهم ( القبس ) كأنها جريدة ارترية، وكذلك الشيخ ، سليمان ابو ناروا، والحبر ، والصافي نور الدين ، وحاج نور. كما كان لجماعة انصار السنة المحمدية دورها المعروف في دعم التعليم وطلاب العلم ، فقد سافر الشيخ / التقلاوي رحمه الله سنة 1948 الى ارتريا للعمل في المدارس العربية هناك. وقد استفاد الأرتريون من معاهدهم المنتشرة في شرق السودان فائدة عظيمة ،و جزى الله خيرا الشيخ المرحوم / محمد الحسن عبد القادر على جهوده التي بذلها في هذا المضمار وغيره لخدمة ارتريا والسودان .
المجلات الإسلامية :
كانت المجلات الإسلامية تغطي أخبار ارتريا وثورتها الصامدة ، مثل مجلة الدعوة التي كان يصدرها الإخوان المسلمون ، ومجلة المختار الإسلامي الرائدة التي كان صاحبها من أكثر الناس معرفة بأحوال ارتريا ونضالها ، كما لا انسي مقالا قرأته للأستاذ / كمال الدين جعفر عباس تحت عنوان : إريتريا أرض الصدق بين أحقاد الصليبية وأطماع الشيوعية– في مجلة الأمة القطرية، وكذلك التحقيق الموسع الذي أجرته مع قادة النضال الأرتري ، وهذا ما كانت تفعله جريدة (المسلمون ) التي كانت تصدر في المملكة العربية السعودية، وكانت مجلة الإعتصام الإسلامي لايخلوا عدد من اعدادها من مناصرة القضية الأرترية ، اما مجلة المجتمع الكويتية ، فأعتقد أن دورها لا يخفى على أي ارتري متابع لقضيته ، فهي بحق كانت وما تزال مجلة القضايا الإسلامية في العالم الى يومنا هذا ، ومواقف الحركة الإسلامية وخاصة في المجال الإنساني مشهود لها .
كما لا ننسي ابدا دور اخواننا في الحركة الإسلامية في الصومال وتبنيهم لقضية ارتريا بإعتبارها قضية إسلامية في مناهجهم، ومجالسهم، وحلهم وترحالهم ، وكذلك لم ينسِ بُعدُ المسافة حركة المودودي في باكستان مناصرة قضية ارتريا ، والتعريف بها ، ولا توجد حركة اسلامية من المحيط الى الخليج لم تدافع عن حق الشعب الأرتري ، بل وجدنا اخواننا في السنقال(جماعة عباد الرحمن ) يقولون : ان قضية ارتريا هي قضيتنا
شخصيات إسلامية:
رحم الله الشيخ / محمد الغزالي الذي اعتبر الطلاب الأرتريين ابنائه، وظل يرعاهم الى وفاته ، وقد كتب عن قضية ارتريا في كثير من كتاباته مثل كتابه الشهير ( الإسلام في وجه الزحف الأحمر ). والدكتور جمال عبد الهادي استاذ التاريخ الإسلامي المعروف ، الذي يعشق ارتريا وشعبها ، وقد كتب عنها في كثير من كتبه ومقالاته ، وقد تحدث عنها كثيرا في محاضراته ، والشيخ / احمد القطان صاحب القصيدة الرائعة التي القاها من فوق منبره المتألق، والتي مطلعها .
ارتريا يا اول الإسلام كم شهد النجاشي وجعفر الطيار.

والسلسة تطول / امثال العلامة / محمود شاكر ، وصاحب الرواية الشهيرة ( الظل الأسود ) الدكتور / نجيب الكيلاني، ومن شدة اعجابي بالرواية احلم ان اراها يوما فلما يمثل جهاد المسلمين في ارتريا والحبشة عموما . و يقف على راس الهرم الرجل الذي نذر نفسه للقضية الأرترية فألف فيها ودافع عنها ، وتحمل المصاعب من اجلها ، ذلكم الشيخ المجاهد والمفكر الصابر المرحوم / عبد الله السمان ، والذي ترك لنا قصة تحديه للإمبراطور هيلي سلاسي ، وتعمد طبع وتوزيع كتابه حول ارتريا في نفس يوم زيارته للقاهرة ، وتحريضه الطلاب الأرتريين للزحف الى مطار القاهرة وإحراج الإمبراطور امام العالم ، وكان له ما اراد ، فلم يخيب الطلاب الأرتريين آنذاك ظنه ، ومما كتبه قبيل موته رحمه الله رحمة واسعة هذه الكلمات في مقال له نشر في{ الإسلام اليوم} يقول رحمه الله: ( وأما ما حدث في إريتريا فهم أكثر إيلاماً. المعروف أن شعب إريتريا يغلب عليه الطابع العربي، وأن جهاد إريتريا ضد إثيوبيا حتى استقلت، كان مدعوماً من العرب والمسلمين، لكن تدخل الصليبية الدولية وإسرائيل ـ ونحن نائمون ـ جعلت السلطة بيد الصليبيين بزعامة الأفاق (أفورقي) الذي بدأ حكمه باضطهاد المسلمين والزج بالشباب المسلم المناضل في السجون حتى اليوم، وبالتنكر للعرب، رفض الانضمام للجامعة العربية، واعترف بإسرائيل، والتنكر للسودان الذي جعل من أرضه موئلاً للمجاهدين الإريتريين؛ بل وجازاها جزاء سنمار؛ فأصبح يساند المتمردين في الجنوب وفي شرق السودان . وصدق رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه:"آلت النفس الخبيثة ألا تغادر هذه الدنيا حتى تسيء إلى من أحسن إليها). ومن ينسى الشيخ / عبد الحميد كشك رحمه الله ودفاعه المستميت عن ارتريا وشرح قضيتها بأسلوبه السلس و المستساغ، وقد قال عن منجستوا عندما إجتاحت قوات( الدرق ) ارتريا وبدأت تشرد وتقتل: يا منجستوا تقتل اخواننا المسلمين في ارتريا ، ما اقبحك ! لقد اجتمعت في اسمك كل حروف النجاسة . وكذلك يستثمر الشيخ/ القرضاوي: حفظه الله كل مجال يتاح له لمساندة الشعب الأرتري سواء كان بالقول او الفعل ، يقول مثلا في كتابه القيم (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي): (... لينظر إلى المسلمين في الحبشة مثلاً وما يقاسونه من عنت واضطهاد وإهدار للحقوق الإنسانية، مع أنهم يكونون أغلبية السكان، ولهم أقاليم إسلامية خالصة لا يشاركهم فيها غيرهم. (انظر: كتاب "مأساة الإسلام الجريح في الحبشة" وكذلك التقرير الذي كتبه طالبان أزهريان من الحبشة عن وضع المسلمين هناك، ونشره الشيخ محمد الغزالي في كتاب "كفاح دين" تحت عنوان "ذئاب الحبشة تنهش الإسلام". وانظر: كتاب "اريتريا والحبشة" في سلسلة مواطن الشعوب الإسلامية للأستاذ محمود شاكر، نشر مكتبة الأقصى ـ عمان)
لم أُرد كتابة بحث عن هذه القضية المهمة ، ولكن فقط اردتُ لفت انتباه الذين حملوا الخناجر للدول العربية ، وسلقوها بألسنة حداد، واتهموها ظلما وزورا بأنها قمطت الأرتريين حقهم ، وانها تآمرت في نضالهم ، اردت ان ازيدهم في الحرف نقطة ، وفي المشوار خطوة ، هذه بعض مواقف اهل الإيمان من قضيتنا ، أفلا يستحقون منا الشكر ؟؟ فإن من لا يشكر الناس لا يشكر الله . أما الدور العربي عامة : فقد كتب فيه الكثيرون من كتابنا ، ولكنني لا اعلم من افرد مساحة خاصة لجهد الحركات الإسلامية تجاه القضية الأرترية ، ولعلي اكون حفزت الذاكرة ، وفككت العقال ، واستنطقت المكنون ، في خزائن وصحائف وعقول كتابنا الفطاحل لعلهم يكملون المهمة.

اخوكم / محمد جمعة ابو الرشيد .
Mja741@hotmail.com