الأحد، 12 أكتوبر 2008

ابو نوال العارف العابد

أبو نوال العارف العابد

محمد عثمان صالح - الرياض
07/10/2008م

عظيمة هي المصيبة عندما يحل نبأ وفاة شيخنا ورائدنا الشيخ / محمد إسماعيل عبده ، والذي يثري خيال كل متحدث وكاتب يتحدث فيه هذا من زاوية وذاك من أخرى ، فهو مثل البحر يسع الجميع بنفعه وخيره ، فنسأل الله تعالى أن يسكنه فسيح جناته وينزله منازل الشهداء ويلهم أهله وآله وشعبه ومحبيه الصبر وحسن العزاء .
لقد كان الشيخ محمد إسماعيل عابدا زاهدا قبل أن يكون سياسيا محنكا ومقاتلا جسورا وكاتبا بارعا وقارئا شغوفا ودبلوماسيا ماهرا وإداريا ناجحا وأبا عطوفا ومصلحا مربيا ، يبدأ أعماله كلها بسجدة دامعة وتلاوة متدبرة وورد راتب ويقين صادق وتوكل حق ، لذا فقد رأينا أعماله مباركة ومشاريعه ناجزة أينما ألفيته وجدته مجيدا متقنا ، فهو الأستاذ المربي الذي امتهن التدريس فور تخرجه وقد كان مثالا للأستاذ القدوة (ود شيخنا) أحبه تلامذته الصغار قبل أولياء أمورهم ، وكان سياسيا وطنيا غيورا فاهتم بالعمل السياسي في باكورة عمره حتى زج به في سجون الاستعمار الإثيوبي ، وكان إداريا ناجحا أهله ذلك ليتسنم وبعد عام واحد من التحاقه بالجبهة سلما إداريا عاليا ، وكان مقاتلا جسورا ومجاهدا باسلا عندما صدر قرار الجبهة بالتحاق القيادات بالميدان فكان أول المستجيبين ، فجاب أنحاء ارتريا يبشر بالنصر ويدعو بالأسوة ويحكم بين الناس بالعدل وكان رحمه الله مسكونا بهم الإسلام وأهله منذ أن ترعرع ، فهو في كل أعماله وفعاله وانتماءاته وتحركاته إنما كان يهدف لتمكين الفكرة وتثبيت القيم ، ولما لم تكن صدور البعض متسعة لفهمه الكبير أسس وإخوانه منظمة الرواد المسلمين يعمل من خلالها على إرساء تلك المفاهيم التي طالما عذب من اجلها وطورد بسببها ، وقد كان الشيخ قائدا محنكا وكان دبلوماسيا فوق العادة عرفته المؤتمرات والملتقيات يشرح قضيته ويوصل صوته وكان قبل ذلك كله عارفا عابدا زاهدا عفيفا نظيفا مؤمنا متوكلا ، وحقا كان بركة على جماعته فكم من محنة مدلهمة كان لها الشيخ ، وكم من أزمة مستعصية تصدى لها الورع الوقور،
إن فقد الشيخ محمد إسماعيل عبده فقد عظيم ولا نقول إلا ما يرضي ربنا سائلين الله عز في علاه أن يجرنا في مصيبتنا ويخلفنا خيرا منها ، آملين أن يكون فقده محطة تزود وتأسي وتجديد العزم على المضي قدما في تحقيق ما عاش له الشيخ المجاهد الصبور ، ألا رحم الله أبا نوال وجمعنا به في جناته يوم المآل وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ومن تداعيات الموقف كانت هذه الأبيات:

بكت المنابر رمزا من دواخلها
وهبت الجموع تسكب من مآقيها
تودع الشيخ ترنو لسجاياه
ذاك الذي كان بالإسلام يبنيها
فلم تكن الدنيا يوما لتشغله
ولم تلنه صروف الدهر أو مآسيها
جلد على الشدائد بكَّاء في مساجده
وللياليَ علم أين الشيخ يقضيها
يجفو المهاجعَ في حل وفي سفر
يمضي اللياليَ بالقرآن يحييها
هذا المجاهد إن تسعدُ بصحبته
لتحقرنُ نفسك والدنيا وما فيها
عف اللسان سليم القلب أطهرُه
ربُّ المكارم لا كبرا ولا تيها
جاب الفيافيَ إرشادا وتبصرة
قاد العدالةَ رغم الكيد والتيها
وللرواد بفكر الخير أسسها
حتى تعيدَ لأرض الصدق ماضيها
وما تداعت جموع القوم قاطبة
إلى التوحد إلا كان الشيخ حاديها
لما تنادت ضعاف القوم ناكثة
رص الصفوفَ ولم يجنح لناديها
فرحمة الله تغشى الشيخ تشمله
وجنة الخلد تلقاه حواريها

ليست هناك تعليقات: