الأحد، 12 أكتوبر 2008

رحمك الله ابا نوال

رحمك الله أبا نوال

بقلم \ محمد النور محمود ـ الرياض
04/10/2008م

فجعت كما فجع غيري بخبر وفاة الشيخ المجاهد محمد إسماعيل عبده يوم الإربعاء الماضي ثاني أيام عيد الفطر المبارك، المصادف للأول من أكتوبر 2008م، فجعت وإن كنت قلقاً منقبض الصدر منذ أن سمعت بخبر مرضه الأخير الذي أدخل بسببه غرفة الإنعاش، ولم أطمأن كثيراً رغم خروجه من المشفى ورجوعه إلى بيته رحمه الله رحمة الله واسعة، وأسكنه فسيح جناته، ورفع درجته في المهديين وخلفه في أهله في الغابرين، وغفر الله لنا وله أجمعين، وجبر الله مصيبة الشعب الإرتري بفقدانه، وعوضهم خيراً، والحمد لله على قضائه وقدره خيره وشره، ولا نقول إلا ما يرضى الرب إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقد تذكرت أن أتأمل مناقب الشيخ رحمه الله وما رزقه الله من أبواب البر والطاعة مما لم يوفق إليها الكثيرون، تذكرت أبياتا لأحد الحكماء يحدد فيها خمسة شخصيات تستحق أن يبكي الناس لفراقهم:
1. عالم رباني صاحب دين وورع يعلم الناس الخير، ويكون قدوتهم فيه.
2. حاكم عادل ينشر العدل ويبسط الأمن والرخاء بين الناس.
3. عابد زاهد يربي الناس بعبادته وزهده في الحياة.
4. رجل كريم شهم يقضي حاجات الناس ويفك كربهم.
5. فتى شجاع يقول لا لكل جائر، ويعلم الناس بسلوكه أن الإقدام لا ينقص في العمر، وأن الإحجام لا يؤخر في الأجل
هؤلاء الخمسة هم الذين يبكى الناس لفقدهم، أما بقية الخلق فهم من سقط المتاع حياتهم كموتهم، ووجودهم كعدمهم، ولله الحكمة البالغة في إيجادهم، وأحسب أن الشيخ رحمه الله قد حاز صفات الأصناف الخمسة كلها، فقد كان يسارع إلى تطبيق ما تعلم من علوم الشرع، وكان في سلك القضاء فما وجد المتخاصمون مثله في الإنصاف والعدل، ويذكر كل من خالطه عبادته وقيامه الذي لم يتركه لا في سفر ولا حضر، وكان جواداً بيته مأوى لكل محتاج لم تمنعه قلة ذات اليد، ولا خشية الفقر من الإنفاق والتبرع بماله ووقته وقوته، أما الشجاعة فقد طرق أبواب الموت مرات عديدة في إرتريا وأفغانستان رحمه الله رحمة واسعة وأرجو أن يكون مقامه عند الله أكبر وأرفع من حسن ثنائنا وذكرنا له.
يقول الشاعر في الأصناف الخمسة:
إذا ما مات ذو علم وتقوى *** فقد ثُلِمت من الإسلام ثُلمة
وموتُ الحاكم العدلِ المولّى *** بحكم الشرع منقصةٌ ونقمة
وموت العابدِ القـوّام ليـلاً *** يُناجي ربّه في كـل ظلمـة
وموتُ فتىً كثير الجود محـلٌ *** فإن بقاءه خصـبٌ ونعمـة
وموتُ الفارس الضرغام هدمٌ *** فكم شهِدتْ له بالنصر عزمة
فحسبُك خمسةٌ يُبكى عليهم *** وباقي الناس تخفيف ورحمـة
وباقي الناس همـجٌ رعـاعٌ ** وفي إيجادِهـم لله حكمـة

لقد كنت أتمنى أن يؤجل الله في عمر الشيخ أبي نوال حتى تقر عينيه باستعادة المسلمين في إرتريا لحقوقهم، وينعموا بكرامتهم وحريتهم في بلادهم، ويرى بنفسه ثمرات جهاده وتربيته على أرض الواقع، ووقتها كان سيكون له من العزاء والتكريم حياً وميتاً ما يليق بأمثاله من أبطال إرتريا الذين قضوا نحبهم قبل أن يبزغ فجر العودة الصادق، ولكن لله الحكمة البالغة في قضائه وقدره، ولئن فقدنا الشيخ أبانوال فإننا على الدرب سائرون حتى يتحقق لنا إحدى الحسنيين إن شاء الله.
وعصر أمس الجمعة اجتمع الناس في الرياض للعزاء في وفاة الشيخ بدعوة من الحزب الإسلامي الإرتري للعدالة والتنمية فرع الرياض وكان مشهداً مهيباً وحضوراً كبيراً، حضر الإرتريون بكل أصنافهم وتوجهاتهم، والكل كان يعبر بعفوية وتلقائية عما عرفوا من خصال الخير والصدق والهمة والشجاعة، والجود والسخاء، عبروا عن حبهم للشيخ وثنائهم عليه، كما تحدث رفاق دربه وتلاميذه عن عفة لسانه، وصدق قلمه، وحفاظه على وقته، وحسن تنظيمه وإدارته، وكثرة تبتله ودعائه وقيامه بالليل ... وأرجو أن يكون ذلك كله من عاجل بشرى، وبشارة خير بخاتمة حسنة للشيخ رحمه الله، فالناس شهداء الله على أرضه، وهذا الثناء قل أن يجتمع لشخص.
إن هذه الصفات الكريمة التي اجتمعت في هذا القائد المبارك تذكرنا بواجبنا تجاهه من عدة نواحي:
(1) ـ واجب الدعاء له والاستغفار له والترحم عليه ونشر مناقبه، وكتبه ومذكراته، فقد اجتمعت في كتابته الدقة والأمانة، والشمول، وهذه المعلومات من حق الإرتريين كافة والمسلمين بشكل أخص أن يقرأوها، وقد نشر بعضها في موقع الحزب الإسلامي على الإنترنت.
(2) ـ واجب المحافظة على الرسالة التي من أجلها الشيخ، وأفنى عمره كله في سبيلها، فهي رسالة تستحق أن يضحى من أجلها، حتى ينال المسلمون حقوقهم المسلوبة، ويستعيدوا كرامتهم وعزتهم.
(3) ـ الاهتمام والتأكيد على العمل المؤسسي في مواجهة نظام الجبهة الشعبية، فكدر الجماعة خير من صفاء الفرد، ولم يرض الشيخ يوماً أن يكون بعيداً عن العمل المؤسسي المنظم، وإن أشخاصاً كثر وجدوا في أنفسهم عشر ما كان للشيخ من كفاءات وإمكانيات رأيناهم يصرون على إقامة تنظيمات يكونون على رأسهم، أو يقفون تحت راية الاستقلالية والحياد ـ زعموا ـ وهو ما فتت جهود المعارضة الإرترية عامة، وأطال في عمر النظام.
إنني أعزي في وفاة الشيخ رحمه الله كل محبيه، وعلى رأسهم قيادة الحزب الإسلامي الإرتري للعدالة والتنمية وأسرته المباركة، ثم جميع محبيه، ونسأل الله الكريم المتفضل أن يخلف علينا خيرا منه.

ليست هناك تعليقات: