اليوم تلقى الأحبة محمدا وصحبة
علي محمد محمود
03/10/2008م
03/10/2008م
(كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) الموت طريق كل حي (كل نفس ذائقة الموت) وهو ابتلاء للبشر (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) وكما يقول العلماء "قدم الموت على الحياة تنبيهاً على أنه يتوصل به إلى الحياة الحقيقية وعدّه علينا من نعمه فقال: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) فجعل الموت إنعاما كما جعل الحياة إنعاما لأنه لما كنت الحياة الأخروية نعمة لا وصول إليها إلا بالموت فالموت نعمة لأن السبب الذي يتوصل به إلى النعمة نعمة، ولكون الموت ذريعة إلى السعادة الكبرى لم يكن الأنبياء والحكماء يخافونه ، وكما قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه : والله ما أبالي أقع على الموت أو يقع الموت عليَّ. وهذا لمن كان له رصيد من الحسنات ، أما من اجترح السيئات وأدمن أذية الخلق فانه كما يقول القرآن (ولتجدنهم أحرص لناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يُعمَّر) ، والأحياء من أحباب الميت بعد فراقه إما أن يصبروا فيؤجروا أو يجزعوا جزعا يتجاوز حد المعقول فيأثمون ، أما الحزن المقبول ودموع الفراق من غير عويل ودعوة الثبور فلا ينافي الصبر الجميل يقول سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه:" اذا مات المؤمن بكي عليه موضعان : موضع في الأرض وموضع في السماء أما الموضع في الأرض فهو مكان مصلاه الذي أسعده وهو يصلي فيه أما الموضع في السماء فهو مصعد عمله الطيب ".
رحل عنا (الشيخ الوقور محمد إسماعيل عبده) في يوم يباهي الله بنا ملائكته وهو يوم عيد الفطر المبارك حيث للصائم فرحتان وبعد ان أكمل الصيام والقيام فاضت روحه وهو يسبح الله بعد صلاة الفجر وبعد ان أكمل أذكار الصباح وهذه لعلها بشرى للشيخ ان يتوفى وهو في الطاعة وليست عليه ديون صلاة او صيام.
رحل الرجل العظيم والوالد المشفق والقائد المربي عنا ونحن نحسبه والله حسيبه من المؤمنين الصادقين ونشهد له بذلك بنص حديث المصطفى (إذا رأيتم الرجل يرتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان ) فلم يكن يتخلف عن صلاة الجماعة في المسجد حتى عندما طلب منه إخوانه في بعض الأحيان لدواعي أمنية بل انه كان يقصد المساجد البعيدة برجليه رغبة في كثرة الخطى الى المساجد ولم يتوقف حتى بعد ان أمره الطبيب بعدم إجهاد نفسه نشهد انه كان يربينا على الثقة بالله اذا انغلقت الأبواب ، نشهد انه كان دائما يذكرنا بالتوكل على الله كل ما ضاقت الحال ، نشهد انه كان يعلمنا الصبر إذا حزمتنا الأمور ، كنا نحس انه دائم الخوف من الله لأن دموعه كانت تخضب لحيته عندما يسمع تلاوة القرآن أو قام يصلى بالليل والناس نيام كما كان في قمة الرجاء إلى عفو الله وصفحه ورحمته بخلقه وكأنه يردد
و لما قسـا قلبي و ضاقـت مذاهبي *** جـعـلت رجـائي نحـو عفـوك سلـما.
ستفتقده صلاة الليل التي لم يتركها الشيخ لا في حضر ولا سفر ولا برد ولا حر فقد كان ممن (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ) " أن شرف المؤمن في قيام بالليل وعزه في استغناؤه عن الناس" ، سيفتقده المحراب الذي خضبه بدموعه وهو يبتهل الى ربه ويناجيه في هزيع الليل الأخير ليستحق بذلك ظل الله الذي كتبه لمن ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ،
منع القرآن بوعده ووعيده * مقل العيون بليلها أن تهجعا
فهموا عن الملك الكريم كلامه *فه۫ما تذل له الرقاب وتخضعا
سيفتقده صيام الهواجر حيث كان يصوم الخميس والاثنين ، وكما قال عبد الله بن عمر قبل أن تفيض روحه : ما آسى من الدنيا على شيء إلا على ثلاثة : ظمأ ا لهواجر ومكابدة الليل و مراوحة الأقدام بالقيام لله عز و جل ، سيفتقده مصحفه الذي ما انفك يتلوه كلما وجد سانحة ، سيفتقده شباب الحزب فقد كان يحنوا عليهم حنو المرضعات على الفطيم ويسأل عن حال كل واحد منهم أي كان وأينما كان ، سيفتقده شورى الحزب الذي كان يجد فيه التجربة الناضجة والرأي السديد والتوفيق بين الآراء ، سيفتقده العمل بجهده المتواصل من غير ان يكل او يمل ، ستفتقده ساحة الوحدة الوطنية حيث كان دائما يدفع قيادات الحزب لتبنى المواقف الوحدوية والتي تجمع الوطن والأمة ، سيفتقده الحب الكبير الذي كان يشيعه على من حوله حيث كان الشيخ يحب الخير لكل الناس ، سيفتقده نقاء القلب وصدق السريرة فلم يكن شيخ محمد يبيت وفي قلبه حقد على احد ، ستفتقده فضيلة الأوبة السريعة إلى الحق متى ما تبين له ذلك ، سيفتقده صفاء القلب ودوام الذكر والفكر ، سئل رسول الله صَلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس، فقال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان". قالوا: صدوق اللسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: "التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد" سيفتقده التواضع حيث كان قريبا من الجميع لا تمنعه مكانته التنظيمية او عمره وتجرته وعلمه ان يستمع الى نصيحة ناصح او شكوى متظلم او حديث انس ستفتقده أسرته الصغيرة مع انه لم يترك لهم ميراثا من مال بل انه توفى وهو يسكن في بيت مؤجر متواضع ولكنه ترك لهم ولنا ميراثا عظيما من تربية وحسن الذكر ولا يضيعهم ولا يضيعنا الله لأنهم ولأننا غرسه (وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك )
احببناك في الله ياشيخنا
ومـن عجب أنــي أحن إليهــمُ *وأسأل شوقاً عنهمو وهم معــي
وتبكيهم عيني وهم في سوادهــا * وتشتاقهم نفسي وهم بين أضلعـي
سنظل على العهد والوعد انشاء الله وسيبلغ هذا الدين ما بلغ الليل والنهار بعز عزيز أو بذل ذليل ، اما الجاني على الوطن فان شبابك الذين لقنتهم درس الثبات والفداء فهم على الوصية :
فاذا عرفت جريمة الجاني وما اقترفت يداه *فانثر على قبري وقبر الشعب شيئا من دماه
لكن إذا انتصر الضياء ومُزِّقَتْ *** بيد الجموع شريعة القرصان
فلسوف يذكرني ويُكبر همتي *** من كان فى بلدي حليف هوان
وإلى لقاء تحت ظل عدالة *** قدسية الأحكام والميزان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق