يا دولة تقع في منطقة القرن الأفريقي كأنها ترقوة تطرز كتف القارة السمراء وهي بالتأكيد رئة الوطن العربي ، شرف الله هذا البلد بهجرة الصحابة إليه حيث وصلها الإسلام قبل المدينة المنورة ، ويذكر المؤرخون مثلا أن مسجد الإمام الشافعي في مدينة مصوع يعتبر أحد أقدم المساجد في القارة الأفريقية.
الحركة الإسلامية الأرترية المعاصرة مبادئ وقادة :
أسست الحركة الإسلامية في بداية سبعينيات القرن الماضي علي يد ثلة من الشباب الغيور علي دينه وعلي رأسهم الأخ الأستاذ الدكتور الشاعر والأديب / صالح علي صالح رحمه الله وإخوانه ، وقد جعلت الحركة منهجها الفكري مستندا إلي الحركة الأم ( جماعة الإخوان المسلمين ) التي نهلوا من منهجها وتربوا علي أيدي مشايخها ولم يفوتهم أن يصبغوها بخصوصيات وطنهم ومتطلباته وأن يثقلوها بهمومه ويشعلوها بآماله فمضوا بها حركة راشدة تبني النفوس وتقوم الأخلاق وتمكن العقيدة السليمة وتسعي لرفعة البلد وتحافظ علي ثوابته،كما احتوت القادة الكبار الذين ساهموا في مسيرة النضال الوطني تأسيسا وبناء وتنظيرا وجهادا وتضحية وقد كان هؤلاء القادة قد تعرضوا للتضيق والإضطهاد والسجن والنفي بل قتل بعضهم وهو يؤدي واجبه الثوري والنضالي والدعوي وذالك علي ايدي [ حزب العمل الأرتري ] الذي كان يتبني أتباعة الفكر الماركسي ، ولم يكن لهم ذنب جنوه الا محاولة إصلاح الفساد الذي نخر نخاع الثورة وتمكن في مفاصلها وذالك بفعل العناصر التي تبنت المنهج الماركسي وقد بذل هؤلاء المصلحون جهود مضنية للحفاظ علي الثورة منهجا وفكرا ونضالا ثوريا ، ولكن التيار الماركسي كان في تلك الفترة ينتشر في أقطار العالم وفي داخل الثورة الأرترية انتشار النار في الهشيم وما كان منهم الا القيام بإقصاء كل من عداهم ، وعندما يأس الشيوخ من إصلاح ( جبهة التحرير ) من الداخل وإرجاعها الي مسارها الذي حادت عنه أسسو( منظمة الرواد المسلمين الأرترية ) كأول تنظيم اسلامي سياسي يظهر في الساحة الأرترية بعد التجربة الأولي مع ( حزب الرابطة الإسلامية في الأربعينات ) وقد وجدوا ثلة من الشباب الغيور علي وطنه قد أسسوا حركة وليدة ( الحركة الإسلامية الأرترية ) وقد انتظم في سلكها في وقت وجيز كما هائلا من الشباب المسلم المثقف الواعي والمثقول بهموم وطنه وشعبه، وقد سر المشايخ بهذا الجهد سرورا عظيما فالتحقو بها هم ومنظمتهم فكان الأباء ولا يزالون نعم الآباء توجيها وتثقيفا وكان الأبناء خير ضمانة لحماية هذا العمل والسهر له بكل حماسة وقوة، وقد تنقلت الحركة الإسلامية عبر محطات ومراحل فمرحلة التأسيس كانت سرية ومرحلة البناء تنقوية ومرحلة الإنفتاح جهادية واليوم هي في قمة نضوجها الفكري والسياسي والشعبي وفي قمة تماسكها التنظيمي، وقد حملت في كل مرحلة اسما يناسب ظروفها ومتطلباتها ، فكانت في مرحلة الكتمان ( حركة ) وفي مرحلة التاسيس ( رواد ) وفي مرحلة الإنفتاج (جهاد) وفي مرحلتها الحالية وهي تتأهب لحكم بلدها ( حزب اسلامي ) شعاره العدالة والتنمية .
رحيل القادة والمؤسسين :
فقدت الحركة الإسلامية منذوا تأسيسها عدد من كوادرها وقادتها ومشايخها الذين كان لهم الأثر الطيب في مسيرة الحركة وبنائها وتأسيسها نسال الله أن يتقبلهم في الصالحين ، كما عاني وما يزال يعاني كم هائل من مشايخها ودعاتها قساوة السجن والسجانين ومرارة الحرمان من غير ذنب جنوه ، ولكن هي سنة الأنبياء ومسيرة الرسل وطريق العبودية المليئ بالمكاره والمحاط بالأشواك وعلي قدر الصبر والاحتمال تتحقق الآمال ويبزغ فجر الأنوار وتزول الظلمات ويتسع ضيق الطريق وترفع الكربات وتزول الهموم ويعانق الدعاة شمس النصر ويتوجون بأكاليل التضحيات ويريهم الله قدرته في معيته معهم وقذف السكينة والطمانينة في ارواعهم وتتحقق في ارض الواقع مبادئهم إن عاشوا عاشوا سعداء وإن ماتو ماتوا شهداء يموتون ولا تموت مبادؤهم يدفنون ولا تدفن أراؤهم .
وقد فقدت الحركة الإسلامية الأرترية في1/أكتوبر/ 2008م الشيخ الرباني العابد القانت الورع الزاهد الشيخ / محمد اسماعيل عبده ( ابو نوال ) رئيس مجلس الشورى[ للحزب الإسلامي الأرتري للعدالة والتنمية ] وقد بكته العيون وفقدته القلوب فقد كانت رؤيته تسر العيون وتسعد القلوب ، ومن حق المسلمين في العالم أن يعرفوا هذا الرجل القدوة فما أحوج امتنا اليوم أن تتطلع الي سيرة العظماء وتقتبس من نبراسهم وتمضي علي دربهم وقد كان الشيخ / محمد اسماعيل عبده رجلا صالحا ( نحسبه كذالك والله حسيبه ) وقد تتلمذ علي أيدي مشايخ الدعوة الأولي وعلي رأسهم الشيخ المجدد والعالم الفريد مفجر الصحوة الإسلامية المعاصرة ( الشيخ حسن البنا ) فقد كان الشيخ ابونوال يحرص علي حضور درسه المعروف ( بحديث الثلاثاء) ، وقد انتظم في سلك الدعوة الإسلامية هناك في مصر وهو طالب علي أرضها ومعه ثلة من الشباب الأرتري ، ولما تم التضييق علي الدعوة وزج بأتباعها في السجون والمعتقلات اصبح مستحيلا علي الطلاب الوافدين الإتصال بإخوانهم المصريين ، ووقتها كانت تلوح في الأفق تاسيسس الثورة الأرترية فما كان منهم الا ان التحقوا في صفوفها يدعون الي الله ويجاهدون في صفوفها وقد تقلد فيها/ الشيخ ابونوال مناصب عديدة ومن اشهرها مسئول ( محكمة الإستئناف العليا ) التي جعل عملها موافقا للشريعة الإسلامية مما فتح عليه هجوما قاسيا من العناصر العلمانية التي كانت تسعي لإبعاد الدين عن الثورة الأرترية وعن الشعب الأرتري برمته ، ولكنه تحمل كل ذالك بصبر عجيب فهو رجل لا تستفزه الاقاويل ولا تزعجه الأراجيف ولا توقفه الصخور الرواسي فهو رجل صاحب همة فريدة وصدر واسع وصبر جميل لا تكبحه عن مقاصده قيود الأرض ولا صيحات المثبطين ولا نداء العاجزين لا يلتفت لصغائر الأمورويغضب ويحمر وجهه اذا راي انحرافا او اعوجاجا مقصودا ولا يهدا له بال حتي تسير الأمور علي مساراتها وتوافق طبيعتها وفطرتها .
الطهارة والنقاء .
عرف الشيخ / محمد اسماعيل عبده بالورع والزهد وطهارة اليد، ففي كل المواقع التي تولاها سواء كان في الثوة الأرترية التي تولي فيها اعلي المناصب القيادية او الحركة الإسلامية التي كان قائدها وشيخها و(مراقبها العام) لم يعرف عنه في كل تلك المواقع ان يمد يده الي فلس واحد من اموالها ، وقد شهد له الجميع بأن كل قرش يعطي له لشخصه في أي زيارة يضمه الي صندوق العمل العام ، وكان ورعا لا يسال الناس ، وإذا ضاق عليه الحال ذكر أنه كان يخرج في سبيل الله مابقي له في بيته ، وقد مرت به في حياته هو واسرته جوع وعطش وحرمان ، ولقد رايته كثيرا وهو يتجول بجذائه المقطعة وملابسه النظيفة التي كاد القدم أن يتلفها ، كانت الناس تحبه وتعطيه الأموال من أجل العمل ومن اجله فلا يتناول منها شيئا وهوفي اشد الحاجة اليها ، لله درك يا ابانوال .
لذة العبادة ونشوة القلب .
كان فضيلة الشيخ / ابو نوال رجلا روحانيا حاضر الدمعة رقيق القلب سريع التأثر بكلام الله عاشقا لقيام الليل متيم بحب كتاب الله كان قليلا ما يهجع من ليله كثير الإستغفاروالإنابة شديد الخوف من ذنوبه ، اذكر مرة صلينا الفجر سويا في مكان ما وبعد الصلاة قلت خاطرة صغيرة لا اذكر موضوعها الآن فرايت الشيخ يداري دمعه ويمسحه بطرف ثوبه ، كان شديد الحياء يكره المعاصي ويحب الطيبات قد الجم لسانه عن ذكر معايب الناس كان يحب الثناء علي الناس بما فيهم من فعل الخير ويشجعهم علي الإلتزام بالدين ، قد اورتثه عبادته لله وانقطاعه له حب الناس وحلاوة اللسان ونور الوجه وضياء القلب، فكان وجهه يتهلل نورا ومجلسه يشع خيرا فكان كلامه قليلا ولكن تأثيره عميقا خطواته مباركة ويومه مثمرلايكل ولا يمل حاضر البديهة قوي الذاكرة روحه شابة وطرفته حاضرة لم يكن يأكل ملئ بطنيه ولا يضحك ملئ شدقيه ولكنه كان يتبسم كأنه فلقة قمر رحمه الله رحمة واسعة .
الشيخ والوقت :
كان الشيخ يعرف قيمة الوقت ويسيطر عليه وينتفع به وكان اشد الناس حرصا علي ضبط وقته فتجده ينجز في يومه ما لاينجزه عشرات الرجال وكان منضبطا في مواعيده ويحتفظ بوثائقه فهو انسان مرتب في كل شيئ في ملبسه في وقته وكلامه واذا وجد فراغا في وقته اغتنمه لقراءة القرآن والذكرأو زيارة الإخوان والأقارب أو ترتيب الأوراق أو الجلوس مع الأبناء وقد رزقه الله ذاكرة كأنه اقتبسها من شيخه حسن البنا رحم الله الجميع فكان تقريبا يحفظ جميع اسماء أبناء الحركة وأسماء قيادات الثورة وقيادات العمل الإسلامي في العالم من قابله منهم ومن لم يقابله ، ولقد تأسفت جدا الا اري كلمة مكتوبة من قادة العمل الإسلامي حول الشيخ وخاصة أمثال الشيخ الغنوشي والهلباوي والقرضاوي وازعم أنه تربطهم به علاقة طيبة وزيارات متبادلة.
مرض الشيخ ورحيله عن دنيانا.
الشيخ من من مواليد مدينة ( صنعفي )في ارتريا وفيها بدأ تعليمه وانتقل منها الي مصر طلبا للعلم وعاد الي ارتريا يعمل سرا- في العاصمة{ اسمرا} وهي في ذالك الوقت تجسم تحت الإحتلال الأثيوبي - علي مساعدة الثورة فلما حاول العدو القبض عليه لجأ الي اثيوبيا ومنها الي الميدان قائدا ومقاتلا وداعيا ومربيا وقد قبض عليه بتهمة العمل الإسلامي داخل الثورة الأرترية وعذب وحكم عليه بالإعدام لكن اجل الله اجله فنجي وظل يعمل طوال هذه السنوات بدون كلل ولا ملل حتي ترك الحركة الإسلامية اليوم وقد اشتد عودها وقويت شوكتها وزاد اتباعها وانتشر منهجها وقد ختم الله للشيخ محمد اسماعيل عبده خير ختام فقد يموت الإنسان علي ما عاش عليه وقد عاش للدعوة وبالدعوة وللدعوة، وفي السنوات الأخيرة إختير مسؤولا لمجلس الشوري في [الحزب الإسلامي الأرتري للعدالة والتنمية] وكان قليل الحركة ففرغ وقته لعشقه المتجدد تلاوة كتاب الله وحفظه بالكامل حفظا متقنا ومواصلة قيام الليل مع كثرة العلل وقد صام شهر رمضان وصلي الفجر ثم جمع أهله وأوصاهم بالتمسك بالدين وأخبرهم أنه يحس أنه مفارق الدنيا ثم شرع كعادته يقرأ ورده من أذكار الصباح ثم تمدد وتجهز وانتقل الي رحمة الله .
من أراد التعرف علي سيرة الشيخ فاليراجع المدونة التي عملت بإسمه تحت عنوان مدونة / الشيخ الراحل / محمد اسماعيل عبده .
رحم الله مشايخنا جميعا .
السابق واللاحق:
عندما توفي الشيخ محمد اسماعيل عبده إختار الحزب في مكانه أحد اعمدة العمل الإسلامي الأرتري الدكتور / صالح علي صالح الأديب والشاعر والفقيه والمنظر وكان نعم الإختيار الموفق ، و كانت المفاجأ أن لحق الشيخ صالح سريعا بشيخه محمد اسماعيل ( وإنا لله وانا اليه راجعون ) والدكتور صالح هو من مؤسسي الحركة الإسلامية الأرترية. وأنشاء الله سوف نعرِف به اخوانه المسلمين في العالم في المقالة القادمة.
الأستاذ محمد جمعة ( أبو الرشيد )
داعية مقيم في اروبا
هناك تعليق واحد:
لافض فوك
شكراً أستاذي الفاضل الداعية / أبوالرشيد على هذا العرض الرائع جداً في حياة علم وقائد مسيرة العمل الإسلامي في أرتيريا ورمز من رموز وطننا الحبيب أحييك وأشكرك وفي إنتظار العلم والقائد والرمز الثاني الشيخ الأستاذ / صالح على صالح
أتمنى لك التوفيق والسداد ... وإلى الأمام ياجنود القرآن ... ودمتم على خير
أخوك / شلال -الرياض
إرسال تعليق