السبت، 11 أكتوبر 2008

عبرات بين يدي صاحب الصمت المهيب

عبرات بين يدي صاحب الصمت المهيب

بقلم / عبد الإله الشيخ
07/10/2008م
( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ) . الموت طريق وكل حي سالكه ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام.فجعت كغيري ممن سمع النبأ الأليم في ثاني أيام عيد الفطر برحيل الشيخ الوقور الشيخ / محمد إسماعيل عبده أبو نوال ، الرجل الذي كنا نلوذ به عند احتدام الخطوب ، واشتداد الحوالك ، فنجد عنده سديد الرأي ، وصواب المخرج ، يأخذ أقوانا بالرأفة ، ويرشد المندفع منا بالحكمة، ويسوسنا بالحسنى ، لقد أزدان الشيخ بالرفق في التعامل ، واللين في التوجيه ، والوسطية في التوجه ، روض نفسه على العزائم ، وطوعها على الشدائد ، ينتصر عليها بالطاعات صوّاماً في الهواجر، وقوّاماً في طوال الليالي دون كلل أو ملل ، ما خفر ذمة ، ولا نقض عهداً ، ولا بدل موقفاً ، نشهد له بثبات في شموخ ، واستعلاء في صمود ، وعمل في صمت ، دائم الفكر ، كثير الذكر ، خفيٌ ، تقيٌ ، نقيٌ حسن الأقوال والأفعال والمواقف ، لا يتلجلج في قول الحق، ولا يتردد في فعل الخير ، ولا يتذبذب في المواقف ، عهدناه صادق الوعد و القول ، نقي السريرة ، عالمٌ ثاقب الرأي ، سديد المشورة ، عاملٌ دؤوب يصل الليل بالنهار ، فقيه أوتي الحكمة ، يتبع القول العمل ، داعية صدق وفضيلة ، يؤثر بفعله قبل قوله ، تصدق فيه مقالة من قال (فعلُ رجلٍ في ألف رجلٍ أبلغُ من قول ألف رجلٍ في رجلٍ ) .أحقاً رحلت شيخنا؟ لانكاد نصدق نعي الناعي حين نعاك !! فهول الفجيعة وفداحة الخطب وعظم المصاب أكبر من تصور ذلك ، رغم يقيننا أن الموت حق وإيماننا بـ ( أن كل نفس ذائقة الموت ) ، وذلك لأن القضية التي نذرت حياتك لها تمر بأدق مراحلها ، والأهداف التي رسمتها لم تحقق بعد ، والأشواق والأماني لم تتجسد في أرض الواقع ، رحلت شيخنا والبلاد التي بذلت لها وما استبقيت شيء ، تحتاج منك لمزيد جهد !! أألقيت عصا الترحال وأبنائك الذين ربيتهم على الجهاد لم يلقوا عن كواهلهم السلاح بعد ، أهوشيخي الغياب الأبدي حيث لا عودة ؟!! أهي الرحلة الأخيرة حيث لا مئآب ؟ !! أهو الفراق دون وعد باللقاء ؟ !! فقد كنا سيدي في حوجة ماسة في زمن عز فيه مثلك كنا نستبقيك لمثل هذا الوقت وندخرك لهذا الزمان ، وكنا في مسيس الحاجة لرجل عالم ببواطن الأمور، ودقائق دهاليز السياسة ، وطوايا الخصوم ونواياهم ، وتئآمر ومكر العدو ومكائدهم ، أتتركنا سيدي في طخية الليل البهيم دون بصيص ضوء في النفق ، ولجة البحر المتلاطم أمواجه تعصف بالسفينة ، أرحلت عنا دون أن نشفي الغليل من مجالستك ، وننهل من فيض علمك ، ونتزود بزاد التقوى بالجلوس بين يديك ، نتربي في كنفك تشملنا رعايتك وتنير لنا توجيهاتك الثاقبة وعورة الطريق ومشقة المسير، كنا شيخنا الوقور في زمان نحتاج فيه إلى رجل صعب المراس ، قوي الشكيمة ، عصي على الإنكسار، عرك الحياة وخبرها تكتنز ذاكرته الحوادث والأحداث ، موسوعة علمية ، وسفر تأريخ حي ، وسجل ذاخر بالعطاء ، معدن صدق ، ومحضن تربية ، فقناك سيدي أمة في رجل، فارس كريهة ، وخل محراب يعمر مساجد الله ، وداعية فضيلة يدعو إلى الله على بصيرة ، سيد المنابر يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، وناشد العدالة حيث تسنم جهازالقضاء في الثورة الإرترية وحاز ثقة الأعداء والأصدقاء ونال رضى الجميع يقضي بالحق ويفصل بين الناس ، سيد اليراع يطوعه بجزيل العبارة وصادق القول ويروي الأحداث بتجرد ودقة ، وركن قوة نأوي إليه عند إشتداد الخطوب . لكننا رغم عظم المصيبة نقول الصبر أعظم وأجمل فنتزين به ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) .نبكيك سيدي في يوم الرحيل المر ؟ بل نبكي على أنفسنا !! وما يجدي البكاء !!!تبكيك المساجد التي أعتدت على عمارتها صلاة وذكراً في خشوع وبكاء دون أن تقعدك عنها رخصة طبيب أو نصيحة مشفق، تبكيك الأسحار التي لم يمنعك عنها برد الشتاء القارص، ولا عناء جلسات العمل الطوال ، يبكيك شيخي صيام الإثنين والخميس الذي أدمنته منذ بواكير حياتك رغم سقم الجسم ونحالة البدن ، فصار من لوازمها دون أن تحول عنه موانع المرض وصوارف العاديات ، تبكيك محاضن التربية التي طالما استضافتك تقبل نحوك في شوق ووله تستقي من معينك في صمت مهيب ، تبكيك جلسات التفاكر والتشاور في مصير الأمة التي حملت همها وأثقلتك حتى جعلتها شغلك الشاغل .حملت عبئ الدعوة منذ بواكير حياتك ، وصارعت قوى الشر وهي في عنفوان طغيانها، فاستعصيت عليها ، ونالك منها الأذى فلم تنكسر رغم صنوف العذاب وقسوة السجون ولم تنتصر لنفسك فعفوت عند المقدرة ، وحقاً فإن سيد القوم لا يحمل الحقد ، وثبت عند أحتدام الشدائد تذود عن المبادئ ثبات الشم في وجه العواتي دون نكوص أو تراجع (ما نسينا أنت قد علمتنا بسمة المؤمن في وجه الردى ) لم تضجر لضيق ذات اليد ، ولم تتذمر لظلم الصديق ، ولم تحن الجبهة الشماء مداهنة أو مسايرة ، عهدناك تنتصر للحق في شمم دون أن تعتريك لحظة ضعف أو استكانة، لم تلتفت لفتاة الحلول الجزئية، أو تحد عن الجادة ، طمعاً في مغنم أو خشية سطوة ، لم تكتنز مالاً ، ولم تجمع ثروة ، ورحلت كما النخلة باسقاً، نقي السريرة سليم الطوية .نعاهدك شيخنا الجليل أن نظل على العهد لا نقيل ولا نستقيل ، وإن الراية التي بذلت في سبيل رفعتها كل غال ونفيس وقدمت في سبيلها خيرة أخوانك وأبنائك شهداء أن تظل عالية خفاقة لا تنتكس أبداً ، وأن المبادئ التي ربيتنا عليها لانحيد عنها قيد أنملة إن شاء الله فنم نوم قرير العين هانيها. أعزي فيك نفسي وأخواني في الحزب الإسلامي قيادة وقاعدة ، وأعزي فيك الشعب الإرتري قاطبة ،والأمة الإسلامية جمعاء ، فلم تكن سيدي في يوم من الأيام رب أسرة أو رجل عشيرة يحصر همه في شؤونه الخاصة ، لكنك رجل أمة ، وركن جماعة ، وقدوة مجتمع تسعى للإصلاح ما استطعت ، وعزائي موصول لأهل بيتك أجمعين . اللهم إنا نشهد لعبدك بالصلاح، والاستقامة ، فأقبله عنك بقبول حسن ، وأسكنه فسيح جناتك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ، وأنزل على قبره شآبيب الرحمة والرضوان ، ولا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده ، وأجعل البركة في عقبه ، وأجرنا في مصيبتنا ، وأبدلنا خيراً منها ، وألهمنا وآله الصبر والسلوان . وأخر دعوانا أن الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه له الأمر من قبل ومن بعد واليه يرجع الأمر كله وهو العزيز الحكيم .

ليست هناك تعليقات: