الاثنين، 13 أكتوبر 2008

الجنازة المحاصرة

أرتريا : الشيخ أبو نوال .. القائد الصابر الذي غلب حزب العمل
والجنازة المجاهدة التي تحاصرها الغربة والسياسة
بقلم : باسم القروي
13/10/2008م

بسم الله الرحمن الرحيم
بعد عمر مديد قارب الثمانين عاما عاشه في الجهاد سعيا لتمكين الدين القويم والخلق النبيل وبحثا عن تحقيق العدالة لكل المواطنين رحل إلى ربه الغفور الشيخ المجاهد أبو نوال محمد إسماعيل عبده رئيس مجلس الشورى للحزب الإسلامي الأرتري .
وبهدوء فرضه الحصار السياسي دفن في مقبرة تقع في حي (الحاج يوسف ) على أطراف ا لعاصمة السودانية الخرطوم. وبهذا استقر جثمانه في غير أرضه مجاهدا مهاجرا كما كان يعيش مجاهدا مهاجرا قبل موته فهو في الغربة المريرة حيا وميتا لا زال يرفع راية الكفاح حتى تحقيق النصر للشعب الأرتري إن شاء الله رغم القيود والحصار.
نعم لم يسقط سيف فقيد كان قد ربى جيلا من الشباب المجاهد يرثون خلقه وفكره وجهاده وتضحيته وإن من كرامة الجهاد أن يصبح عمل المرابطين الأحياء صدقة جارية لصالحهم بعد أن يفارقوا الحياة فهنيئا لك أيها الشيخ الجليل بالجيل الناضج الذي ربيت، وبالسيرة العطرة التي خلفت ، وسوف تظل القدوة الرائدة بعد رحيلك صمودا وصبرا وورعا وزهدا عشت في الدنيا في بيت إيجار حتى فارقتها لأنك كنت مشغولا بعمارة الآخرة التي ارتضيتها خيارا مفضلا في حين كان كثير من جيلك وتابعيه قد تساقط في الطريق إما متجها إلى عمارة الدنيا أو مستسلما إلى عدوه حكومة الجبهة الشعبية أو مستميتا في نصرة الفكر المادي تنظيرا وممارسة .أو منزويا في هامش الحياة قنوعا بالقعود عن العمل الجهادي العام منكفئا على نفسه، أو منشغلا برعاية نفسه وولده .
وكنت أنت منتميا إلى شعبك الأرتري عقيدة وخلقا وجهادا وصبرا وتضحية كنت لله فكان الله معك إذ قد حفظ لك أهلك وربى لك ولدك وبناتك الذين فاقوا غيرهم – ممن تفرغ آباؤهم لتربيتهم وفشلوا- علما وخلقا .
قام حزب العمل- قائدة مسيرة الشر والفساد والإلحاد في جبهة التحرير الأرترية - بتعذيب جسدك حتى بقيت في جسمك أوسمة شرف خالدة لكنك غلبتهم بثبات روحك وقوة عزيمتك.
أرادوا مسخ أخلاقك بالإغراءات فأبيت وأرادوا كسر إرادتك فأبيت وأرادوا قتل روحك فأبقاك الله حتى أنشأت بعون الله جيلا يقوم مقامك في نصرة الدين وحماية العرض وتحرير الأرض ؛
ولهذا كسبت حب الأمة لك وكسبت - إن شاء الله – رضى الله عنك.
الأسرة والنشأة :
ولد الشيخ محمد إسماعيل عبده عام 1932م في مدينة صنعفي التي تقع في الهضبة جنوبي أرتريا .
كان أبوه زعيم أهله دينا وإدارة وقدوة حيث كان يحكم في القضايا عامة ويصدر الناس عن رأيه. وجدهم الأول من أصول يمنية وقد هاجر إلى أرتريا قديما واستقر في منطقة صنعفي الحالية ويقال : إن جدهم الأول هو الذي أطلق عليها الاسم ( صنعفي ) تشبيها لها ب( صنعاء ) اليمنية التي هاجر منها إذ قد وجد بينهما تشابها في المناخ فتصور أن صنعاء التي هاجر منها قد وجدها مرة أخرى في أرتريا فطابت بها نفسه ورضي عنها إقامة واستقرارا .
قد أثرت هذه الأسرة اليمنية الأصل على أهل المنطقة دينا وخلقا حيث أنشأت الخلاوي القرآنية والمساجد ونشرت الدين الحنيف
وقد تزوج الشيخ محمد أبو نوال من أسرة عريقة في الزعامة فالتقت زعامة الدين وزعامة السياسة في أسرة الشيخ الفقيد وربما هذا الذي جعل منه وريثا شرعيا لأسرته من جهة أبيه علما وخلقا وأسرته من جهة أمه زعامة وقيادة وصدارة فكان بحق قدوة في كلا الجانبين عبر تاريخه الجهادي العريق .
أولاد الشيخ :
ترك الشيخ أبو نوال عبد الرحمن من الأبناء وهو خريج جامعة السودان تخصص المحاسبة والتمويل وخمسا من البنات وقد تخرجت اثنتان منهن طبيبتان ؛ كبرى بناته خريجة طب جامعة كسلا وقد تزوجت من مهندس قيادي في الحزب الإسلامي.ثانية خريجة كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم وهي متزوجة من مهندس كذلك . وثالثة خريجة طب جامعة شندي . ورابعةخريجة آداب جامعة الخرطوم والأخيرة لا تزال طالبة جامعية وهي أصغر بنات الشيخ أبي نوال رحمه الله
الحياة التعليمية :
درس الشيخ محمد إسماعيل عبده القرآن الكريم على يد والده حتى ختمه في سن مبكرة ثم المرحلة الابتدائية بمدرسة حكومية بمدينةعدي قيح ثم سافر إلى مصر عام 1948م تقريبا فأتم المراحل الاعدادية والثانوية التحق بعدها بجامعة المنصورة حتى أتم سنتين تخرج فيهما بدبلوم عالي تخصص تجارة .
وقد قطع الدراسة بسبب مرض والده عائدا إلى الوطن عام 1956 م ليعمل مدرسا بمدرسة الجالية العربية بأسمرا
الحياة السياسية :
التحق بحركة تحرير أرتريا التي كانت تعمل داخل الوطن سرا ثم التحق بجهة التحرير الأرترية عام 1961م وهو بأسمرا معلما في مدرسة الجالية العربية وكان يعمل سرا حتى كشف أن اسمه ضمن قائمة المطلوبين لدى السلطات الإثيوبية الأمر الذي جعله يغادر أسمرا ويلتحق بالعمل العسكري في صفوف مناضلي جبهة ا لتحرير الأرترية وذلك عام 1964م وظل نشطا في المجال السياسي والجهادي رائدا وقدوة منذ ذلك التاريخ المبكر وإلى يوم وفاته رحمه الله

جهاده الإسلامي :
نتيجة لسلامة الفطرة وتأثير الأسرة الكريمة بعد توفيق الله له ظهر نشاط الشيخ أبو نوال إسلاميا منذ وقت مبكر فقد انخرط ضمن شباب الرابطة الإسلامية قبل سفره إلى مصر ودراسته هناك ثم تعرف على جماعة الإخوان المسلمين بمصر فالتحق بها أيام الدراسة ولازمها عاملا في صفها حتى اشترك معها مجاهدا ضد المستعمر الإنجليزي في حرب قناة السويس . وفي أرتريا كان التحاقه بحركة تحرير أرتريا وبعدها كان التحاقه بجبهة التحرير الأرترية كل ذلك كان مناصرة للدين ودفاعا عن العقيدة وسعيا لتمكين المسلمين وإعادة حقوقهم المسلوبة ، ولم تكن الجبهة وقتها قد قامت إلا لتحقيق هذه الأهداف النبيلة التي كان يتعرض لانتهاكها النظام الإثيوبي الصليبي
قد واصل الشيخ أبو نوال – رحمه الله - جهاده الإسلامي داخل الجبهة متمثلا إلى جانب العمل الميداني المسلح فيما يلي :
* نشر اللغة العربية في صفوف الجبهة والتمسك بها لغة وحيدة للتدريب والخطاب الرسمي والتواصل
* نشر الكتاب العربي منهاجا للتدريس ونشرا للثقافة
* مساندة ا لخلاوي القرآنية والتشجيع على تأسيسها
* توجيه الطفل الأرتري المسلم على الالتزام بالأخلاق النبيلة المنبثقة عن الدين والتقاليد والأعراف الأصيلة للشعب الأرتري
* محاربة العقائد الفاسدة المستوردة من المنظومة ا لشيوعية الشرقية أو المنظومة العلمانية الغربية التي وصلت الساحة الأرترية بواسطة بعض كوادر الثورة المتعلمين ثقافة مغايرة لما عليه الشعب الأرتري وقد أتت متعالية ومستبدة تسعى بحقد شديد لمسخ الشعب الأرتري عن هويته العربية الإسلامية
* الوقوف القوي ضد التيار الشيوعي المتنفذ داخل الجبهة للحيلولة ضد نشاطه المشبوه الساعي إلى تغيير مسار الثورة من محافظة متدينة إلى شيوعية ملحدة
* أسلمة قوانين الأحوال الشخصية والقضاء الذي كان يتولى قمته الإدارية
الشيخ القائد :
خلال مسيرته الجهادية تقلد الشيخ أبي نوال عددا من المناصب القيادية يأتي على رأسها ما يلي :
عضو القيادة الثورية لجبهة التحرير الأرترية
سكرتير عام في القيادة الثورية للجبهة
عضو القيادة العامة للجبهة
عضو المجلس الثوري للجبهة
رئيس محكمة الاستئناف للجبهة
يعد أحد الرموز الوطنية الإسلامية التي أسست-سرا - الجبهة الوطنية لمواجهة تسلط وإلحاد حزب العمل الشيوعي الأرتري داخل الجبهة
وبعد أن استقل العمل الإسلامي السياسي عن الجبهة نتيجة لتسلط حزب العمل الأرتري تقلد الشيخ المناصب التالية :
# الأمين العام لجماعة الرواد المسلمين الأرترية التي ساهم في تأسيسها مع بعض إخوانه المشايخ أمثال الشيخ أبي ماجد والشيخ عبد ا لحميد والشيخ ضياء . وذلك عقب خروج الشيخ أبي نوال وجماعته من السجن عام 1981م – 1988م
# مسئول العلاقات الخارجية في حركة الجهاد الإسلامي الأرتري في الفترة من 1988م إلى 1994م
# نائب الشيخ عرفة أحمد محمد أمير حركة الجهاد الإسلامي الأرتري 1994م – 1998م
# رئيس مجلس الشورى في حركة الخلاص الإسلامي في الفترة من 1994م إلى 2004م
# رئيس مجلس الشورى في الحزب الإسلامي في الفترة من 2004م إلى حين وفاته 2008م
محنة السجن وأسبابها :
بسبب جهاده الصبور الصامد داخل جبهة التحرير الأرترية بالموقف الجريء والخلق النبيل والعناد الشديد والريادة القدوة ٍفي مواجهة حزب العمل الذي كان يسعى لتحويل مسار الثورة الأرترية من إسلامية وطنية معتدلة إلى شيوعية ملحدة متطرفة تعرض الشيخ محمد إسماعيل عبده إلى مؤامرة شريرة من حزب العمل – وجدت قائمة كبيرة في الساحة النضالية الحالية وكنت أريد ذكرهم في هذا المقال تخليدا للتاريخ لكن الشيخ أبو ماجد قال : (عفا الله عما سلف وقد تاب كثير منهم الآن) . وقد طلب مني محو قائمة الأسماء ففعلت - إلى تشويه سمعته إخلاقيا فقد ذكر لي الشيخ أبو نوال شخصيا أنهم قاموا بمحاولة إيقاعه جنسيا مع مناضلة نصرانية كلفت خصيصا بتنفيذ هذه المهمة الخسيسة لكن خلقه النبيل وموقعه القيادي الرفيع وخلفيته الدينية الأصيلة حالت دون تحقيق الهدف الخبيث فقد رفض الخضوع لأي ابتزاز ورفض الوقوع في أي شبهة تدنس عرضه وسمعته وظل يجاهد لحماية نفسه وخلقه طوال فترة نضاله المليئة بالمحن حتى عجز أعداءه أن يجدوا في ملفه ما يشين سمعته وخابت كل المساعي التي حرصت لإيقاعه في براثن الفتن الأخلاقية ومن هنا اتجهت زمرة حزب العمل داخل الجبهة للانتقام من الشيخ المجاهد جسديا فكان التدبير السيئ السمعة :
كانت هناك في الساحة الجهادية حركة وطنية إسلامية سرية أخذت على عاتقها مهمة إصلاح الجبهة من الداخل من الفكر الشيوعي والحفاظ عليها من تغيير المسار الوطني المحافظ , نشأت هذه الحركة ضد توجهات حزب العمل الأرتري داخل الجبهة وبعد مرور الزمن اشتد حماس بعض أفراد الحركة فتم تأسيس عمل مسلح قاده الشهيد سعيد حسين مدعوما من قوات التحرير الشعبية وقد خرج إلى الميدان عبر الساحل الجنوبي المقابل لليمن .
وكان هناك في الساحة الجهادية أصوات مختلفة تعلن معارضتها لتوجهات وأنشطة حزب العمل الأرتري المتطرفة ومن بين تلك الأصوات مذكرة رفعها فرع اتحاد العمال في كسلا ومذكرة مماثلة رفعها الشيخ أبو ماجد حامد صالح تركي تسعى هذه المذكرات إلى تصويب وتعديل وتهذيب الخطاب والفكر المتطرف الذي كان يسعى حزب العمل لغرسه في صفوف المناضلين وفي أوساط الشعب الأرتري وقد قال الشيخ ضياء الدين( أحد قيادات الحزب الإسلامي الإرتري ) أن سبب هذه المذكرات والتحركات يعود إلى تفشي الفكر الإلحادي في أدبيات الثورة الذي كان يقف وراءه حزب العمل الأرتري وقال : إن حلقات متتالية كانت تنشر مروجة لهذا الفكر في مجلة النضال تحت عنوان ثابت ( القاموس السياسي ) تعتبر أن الكون ليس له إله مدبر وكان ضمن معتنقي الفكر وناشره المناضل الزين يس وآخرون.
لقد ان
كشف أمر المجموعة المسلحة بواسطة عضو مندس لصالح حزب العمل الشيوعي الأرتري داخل الجبهة مما أدى إلى كشف أمرها وحصارها وحسمها عسكريا وكان ذلك الخروج المسلح مبررا لملاحقة كل أعضاء ا لحركة الوطنية الأرترية داخل الجبهة وتعذيب قياداتها وسجنها كان من بينهم الشيخ أبو نوال محمد إسماعيل عبده رحمه الله تعالى والشيخ أبو ماجد صالح تركي – حفظه الله - وكان ضمن المجموعة قيادات وطنية محافظة منهم المناضل إبراهيم إدريس والمناضل حامد حسين والمناضل جعفر علي أسد وقد نجا من الاعتقال والتعذيب كل من الشيخ المجاهد عمر حاج إدريس والشيخ عبد الله ليمان لوجود هما – وقت الاعتقال - خارج الميدان
سألت الشيخ أبا ماجد حامد صالح تركي : هل كنتم على اتفاق مع الشهيد سعيد حسين في خروجه للعمل المسلح ضد حزب العمل مستقلا عن جبهة تحرير الأرترية فقال : كنا نلتقي مع الشهيد سعيد حسين فكرا ومشاعر وهموما لكنا لم نكن على اتفاق معه في اجتهاده الذي ساقه إلى العمل المسلح وإنما كنا نرى تصحيح مسار جبهة التحرير من الداخل ومن خلال العمل في صفوفها وبالطرق السلمية دون اللجوء إلى عمل مسلح .
لماذا تعرضتم إلى تعذيب واعتقال وأنتم لم تكونوا جزءا من محاولة الشهيد سعيد حسين العسكرية ؟
الشيخ حامد تركي :
كان حزب العمل يتضايق من وجودنا في الساحة ولأننا كنا نعترض على فكره ونشاطه المخالف لما كانت عليه الثورة من خلق ودين واعتدال اتخذ محاولة الشهيد سعيد حسين ذريعة للانتقام من كل خصومه ومعارضيه . ولهذا تعرضنا للمحنة وأنا والشيخ أبو نوال محمد إسماعيل عبده ضمن عدد يقدر بعشرة أشخاص من قيادة العمل الإسلامي المعتدل داخل الجبهة إلى جانب ملاحقة كثير من معتنقي هذا التوجه الحريص على سلامة مسار الثورة من الانحراف .
الاستدراج الماكر:
وصلت مذكرة استدعاء من قيادة الجبهة إلى الشيخ أبو نوال في كسلا تدعوه إلى الميدان وقد علم أنه مستهدف ضمن إخوانه المجاهدين وأن هذا الاستدعاء مقدمة للاعتقال والتصفية لكنه صمم على مواجهته رافضا فكرة الهروب لتحقيق سلامة النفس وقد قدم نصيحة للشيخ أبي ماجد تدعوه إلى عدم الذهاب إلى الميدان لضمان تقاسم الأدوار أحدهما يقوم بالمواجهة لاتهامات حزب العمل متحملا بصبر جميل ما كان منتظرا ومتوقعا من محنة العذاب والسجن والآخر يبقى احتياطا بعيدا عن البلاء ليقود مسيرة النضال السلمي في تصحيح مسار الثورة. لكن الشيخ أبو ماجد رفض هو الآخر أن يتخلف عن الاستجابة للاستدعاء وذلك لأنه ليس لديهما من الذنب والمخالفة ما يجعلهما يتواريان عن المواجهة كما أن فكرهما الإسلامي المحافظ الذي كانا يدعوان إليه ليحكم مسار الثورة لم يكن سرا ولا جريمة قانونية ، ولم يكن في سيرتهما الشخصية والتنظيمية والجهادية إلا ما يدعو إلى مواجهة فرعون ( حزب العمل ) وإقامة الحجة عليه فكانت النتيجة الاعتقال الظالم عام 1975م تقريبا حسب رواية الشيخ أبي ماجد حفظه الله
الإفراج المفاجئ :
في الميدان كان اعتقال وتعذيب المساجين وكانت المؤشرات تدل على أن بعض قيادات حزب العمل الشيوعي الأرتري داخل جبهة التحرير تسعى لإصدار قرار بإعدام هؤلاء المعتقلين ولكن الله سلم حيث سلط ظالما على ظالم فقد تساعدت قوات من المعارضة الإثيوبية مع الجبهة الشعبية الأرترية على مطاردة جبهة التحرير الأرترية التي انهزمت شر هزيمة وأخذت تنسحب وتخلي كل مواقعها الميدانية متجهة إلى السودان وتسوق معها جيشا من أسراها حتى عجزت عن إدارتهم وإدارة أمرها فأفرجت عنهم وخيرتهم بين العمل معها وبين الاتجاه إلى خيارات أخرى يرونها . ومن هنا كان اتجاه الشيخ أبي نوال والشيخ أبي ماجد ضمن آخرين إلى السودان لبداية مسيرة جهادية جديدة بدأت بتأسيس حركة الرواد المسلمين الأرترية ( 1981م ) كان أمينها العام الشيخ أبو نوال أبابوانتهت بالحزب الإسلامي الأرتري وكان رئيس مجلس شوراه الشيخ أبو نوال حتى يوم وفاته رحمه الله 2101429هـ الموافق 2102008م
مشاهد من أيامه الأخيرة :
قال مرافقو الشيخ أبو نوال في أيامه الأخيرة إن الشيخ كان قد دخل العشر الأواخر من رمضان مستشفى الشعب بالخرطوم في غرفة العناية المركزة مكث فيها أياما ثم خرج إلى غرفة عادية حتى تماثل للشفاء من نوبة مرضية مفاجئة حول بعدها إلى منزل زوج بنته المهندس حسن يس وظل في حالة مستقرة عادية إلى ثاني أيام عيد الفطر المبارك لكنه كان قد قال لأسرته إنه لن يكمل العيد معهم . بدأ يومه هذا بأداء صلاة الفجر أتم بعدها الأذكار الصباحية وهذه كانت عادته الطيبة في الورد اليومي الذي كان يبدأه بقيام الثلث الأخير من الليل صلاة وذكرا ودعاء وتلاوة قرآن .
وكان المشهد الأخير حيث طلب من بنته أن تحضر له شاي لبن وبينما هي تقوم بالمهمة اتجه إلى الحمام فاغتسل ثم عاد إلى سريره وتمدد وتغطي بثوب له .
عادت بنته فحاولت إيقاظه ليتناول كوب الشاي الذي طلب من يدها لكنها لم تجد منه استجابة فاستدعت طبيبا ليعالجه لكنه أعطاها تقرير الوفاة بدل وصفة الدواء !!
مقبرة محاصرة :
أتت وفاة الشيخ محمد إسماعيل عبده في ظل حصار شديد يلاحق الحزب الإسلامي الأرتري ضمن قائمة تنظيمات قوى المعارضة الأرترية التي أغلقت في ا لسودان مكاتبها وحظر نشاطها وقيدت حركة قياداتها وكان ذلك ثمنا تقدمه حكومة السودان تشتري به طيب علاقة مع حكومة الجبهة الشعبية في أرتريا ولهذا كان الشيخ محاصرا قبل مماته يعاني آلام المرض وآلام الحصار السياسي المقيد لنشا طه ونشاط تنظيمه وقد لاحقت وطأة الحصار الظالم جثمانه الطاهر فقد قام بتشييع جنازته والصلاة عليه ودفنه عدد ضئيل لم يتجاوز بعض قيادات الحزب الإسلامي وبعض أفراد أسرته كما لم تتم حفلات تأبين جماهيرية عريضة في مدن السودان المختلفة التي بكت فيها عيون محبيه وجماهير حزبه وعموم الشعب الأرتري في المهجر تأسفا على الفقد الأليم .
سألت بعض قيادات الحزب الإسلامي : أقيمت صلات غائب على روح الفقيد في أكثر من مسجد وفي أكثر من ولاية ومدينة سودانية كما أقيمت حفلات تأبين للشيخ الفقيد في أكثر من دولة خارج السودان لكن هذه المشاهد التأبينية في السودان خاصة تمت بصورة خائفة خجولة لا تتناسب مع قدر الشيخ أبي نوال ومكانته أما كان لائقا بكم وبكل قوى المعارضة الأرترية أن تجعل من موت الشيخ مناسبة عظيمة تظهر فيها بطولاته وتقرأ فيها سيرة حياته وتروي فيها للأجيال مظاهر ثباته وصموده حتى يقتدي الخلف المجاهد بالسلف المجاهد ؟ فكانت الإجابة : إننا في وضع سياسي محاصر غير مسموح لنا بإقامة مثل هذه المناسبة إلا بقدر ضئيل وإن حكومة الجبهة الشعبية تشرف على حصارنا ومطاردتنا خارج أرضنا كما تباشر الحصار والتضييق والاستبداد نفسه ضد الشعب الأرتري داخل أرضه لكن مسيرة الجهاد لا تزال متقدة حتى يأتي أمر الله وإن النصر مع الصبر وإن مع العسر يسرا .
قلت للشيخ أبي ماجد : هل أتت إليكم الجبهة الشعبية والحكومة الأرترية معزية ؟فقال :
لا يتوقع منها ذلك ولن تقوم بمثل هذا الموقف النبيل.
وقد علمت أن معظم قوى المعارضة الأرترية أتت معزية للحزب الإسلامي الأرتري بوفاء الشيخ أبي نوال كما أتت تعزيات من جهات سودانية رسمية وشعبية مختلفة وذلك لأن الشيخ محمد إسماعيل عبده كان علما وطنيا إسلاميا يمثل قدوة في الجهاد والثبات والصبر والتضحية والتفاني فهو كان للكل وفراقه كان ألما للكل .وإنا لله وإنا إليه راجعون .

ليست هناك تعليقات: