الشيخ أبو نوال محمد إسماعيل عبده
فقيد الحركة الإسلامية ورائد النضال الإرتري
وكتبه/ الدكتور جلال الدين محمد صالح
لندن 1/10/2008
لندن 1/10/2008
الشيخ المجاهد، والرائد المناضل أبو نوال محمد إسماعيل عبده فقيد الحركة الإسلامية الإرترية، وأحدأوائل النضال الإرتري المرير،وطلائعه السابقين الذين آمنوا بعدالة قضيتهم قبل الفتح، ونصروها في ساعة العسرة، ولحظة الحرج، على هدى وبصيرة من أمرهم، غير مبدلين ولا منحرفين.
هذا أقل القليل مما يمكن أن يقال عن الشيخ أبي نوال جمعنا الله به في العليين على سرر متقابلين، كم من لحظة أحاط به الموت ثم تخطاه إلى غيره في ميدان الكفاح الثوري، حيث الراجمات، والحائمات تلقي بالحمم ما يجعل الليل نهارا، والنهار ليلا، ويهلك الحرث والنسل، ها هو اليوم رحمه الله يغادر دنيانا، إذ توفاه ربه وهو على رأس عمل إسلامي غايته حماية الدين، وتأكيد العبودية لله رب العالمين، وبناء مجتمع تسوده العدالة، آمن في دينه، وعرضه، ونفسه، وعقله، وماله، وهل من معنى للحياة حين يكون الإنسان خائفا في معتقده، ليس له الحق في حماية عرضه من خلال تشريع عادل، وليس له الأمان في نفسه، يمكن أن تزهق روحه غيلة بفعل فاعل، ويمكن أن تصادر ارضه بظلم ظالم، فهنيئا لك يا أبا نوال على هذه الخاتمة الحميدة، فكم من أناس ختموا حياتهم وهم ملحدون، وهم متهتكون، مهانون من طاغوت جبار، من غير أن يسجدوا لله سجدة، وويل لهم يوم يدعون إلى السجود فلا يستطيعون، فرحمة الله عليك، وحشرك عنده مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
لقد جعل الفقيد أبو نوال من نفسه وقفا على دعوته الإسلامية بكل إخلاص ولم يتزعزع عنها قيد أنمله أمام أجهزة حزب العمل الأمنية في جبهة التحرير الإرترية التي نكلت به وبإخوانه في سجونها واتخذت من جسمه مضرب السياط الحادة، ومطفأ السجائر، لقد خرج من هذه المحنة وهو في كمال الإيمان بعقيدته محتسبا ما حدث له لله وفي سبيل الله، خرج وهو في كمال الحيوية والعزيمة على التغيير فثبت متحديا صابرا في لحظة خلت فيه الساحة وتساقط المتساقطون، وهرولة المهرولون، حتى أتته منيته وهو على الدرب كما عاهد عليه الله.
لقد عرفته أول ما عرفته حين أعلن مع زملائه عن منظمة (الرواد المسلمين) يوم زرته في كسلا، بعد انكسار جبهة تحرير إرتريا ودخولها السودان، فرأيت فيه الشموخ، ورأيت فيه الإخلاص، ورأيت فيه التواضع، ثم توثقت صلتي به لاحقا بعد التآم الحركة الإسلامية في كيان واحد جامع إلى حين نكبتها الانشقاقية التي ما زالت تتوالى فكان مثالا في حسن الإنصات، ومثالا في حسن الرأي وأدب الاختلاف، لم يكن العمل الإسلامي بالنسبة له ساحة انتهاز لتحقيق مكاسب ذاتية، ولا عشائرية، ولا اللهث خلف منافع دنوية، ولكن كان ميدان تعبد لله رب العالمين هكذا أحسبه والله حسيبه.
لذا كان رحمه الله صواما لا تفوته أيام البيض من غير صيام، مصليا يقوم الليل ونحن من حوله نيام، قَرَّآءً للقرآن، مترددا إلى البيت الحرام معتمرا تارة وحاجا تارة أخرى، هكذا كنت أراه في دار الحركة الإسلامية في السودان وخارجه، وكنت أحرص على السلام عليه كلما زرت الخرطوم، أحببته لله، واحترمته لله، تذكرته في اليوم السابع والعشرين من رمضان هذا العام وأنا في برمنجهام، هكذا ترآى أما عيني، فسألت عنه الأخ سلطان المسؤول عن منظمة إيثار الإغاثية فأخبرني أنه في المستشفى فدعوت الله له بالشفاء، وفي ثاني أيام العيد نعاه الناعي في موقع عونا فحزنت كثيرا لكوني لم أزره منذ فترة ليست بالقصيرة.
أبكيه اليوم لله، وأعزي فيه نفسي أولا، ثم أخوتي في الحركة الإسلامية الإرترية بكل أجنحتها المتشققة، ثم الحزب الإسلامي للعدالة والتنمية، ثم أبناءه، وكافة أهله في داخل البلاد وخارجها في السودان، والسعودية، حيث كانوا واٌقاموا فإن العين لتدمع، والقلب ليتألم، وإنا على فراقك يا أبا نوال لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا (إنا لله وإنا إليه لراجعون).
وبهذه المناسبة أدعوا كافة قيادة الحركة الإسلامية إلى إعادة النظر فيما هم فيه فإن الموت أقرب إليهم من حبل الوريد، وليكن همهم إرضاء خالقهم، وليعاهد كل فرد منهم ربه في جمع الصف، ورأب الصدع، ولملمت الشتات لإخراج هذا الشعب المظلوم من محنته، فكلنا على درب شيخنا أبي نوال سائرون، ويا خيبة لنا حين لا نجعل من قادتنا الراحلين وشهدائنا الأبطال، وروادنا الأحرار عامل دفع لنا في الشعور بعظم المسؤولية، وثقل الأمانة الملقاة على عاتقنا ( إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) .
لست عضوا في الحزب الذي قاده أبو نوال رحمه الله، ولم أكن ممن شاركوا أبا نوال حلقات التربية في الجناح الذي انتمى إليه ورآى خدمة الإسلام أجدى وأنفع من خلاله، ولكن تأثرت به أيما تأثر إلى حد يحق لي أن أصفه بشيخي وأستاذي، ليس في تلقي العلم والمعرفة، ولكن في حسن السلوك الأخلاقي، لم أنجذب إلى أحد سواه من رجالات الحركة الإسلامية الإرترية، ولم يتمكن هو من نفسي هذا التمكن بنقاش سياسي أبهرني، ولا بكرازمية فطرية شدتني، وإنما بصمته وتعبده وتزهده وتقشفه، وإخلاصه لفكره ودعوته فوقع حبه في نفسي هذا الموقع العظيم، وأحسب أن كل من خالطه سيجد في نفسه هذا الأثر .
لم أبح بهذه المشاعر يوما للشيخ أبي نوال، ولم تحدثني يوما نفسي أن أعبر له عنها، إنها مشاعر ظلت مكبوتة في وجداني أبت إلا أن تخرج من مخبئها في هذه اللحظة من التأريخ، لحظة وفاة الشيخ أبي نوال رحمه الله، وانتقاله إلى ربه، أسأل الله عز وجل أن يكافأه أعلى الجنان، وأن يتجاوز عن سيآته، ويضاعف من حسناته، وأن يغفر له خطيآته مما نعلم ولا نعلم، وأن لا يفتنا بعده، وأن يغسله بالثلج والماء والبرد، وأن يجمعنا به في جنة الفردوس مع الذين سبقونا بالإيمان وتقدمونا إلى الدار الآخرة من آبائنا وإخواننا، وشهدائنا أجمعين، وأن يبارك في نسله وبنيه، ويجعلهم جميعا خلفا له في التقوى والخير.
وكتبه/ الدكتور جلال الدين محمد صالح
لندن 1/10/2008
لندن 1/10/2008