رحمك الله يا أبا نوال
أحمد محمد ناصر
تلقيت بأسى وحزن عميقين نبأ وفاة المغفور له بإذن الله الأستاذ المناضل الشيخ محمد اسماعيل عبده. فجعني حقًّا هذا الخبر المؤلم وجالت بخاطري وغزت ذهني حزمة من الذكريات والتساؤلات في برهة من الزمن !! وقلت لنفسي، الموت حقٌّ ولا اعتراض على مشيئة الله سبحانه وتعالى. غير أن هذا الحدث المؤلم يأتي والساحة السياسية الإرترية في أمس الحاجة إلى أمثاله من المناضلين الذين لا يستغنى عن مساهماتهم البناءة في صياغة مستقبل أفضل للشعب الإرتري، يتم فيها إرساء قاعدة متينة للوفاق والتعايش السلمي بين مكونات الشعب الإرتري. وشعرت بأن بفقداننا للشيخ محمد إسماعيل عبده في هذه الحقبة من تاريخ الشعب الإرتري شعرت أن الساحة الساسية الإرترية قد فقدت علما من الأعلام الداعية إلى نبذ التطرف أيا كان منطلقاته الفكرية والسياسية .
تربى الشيخ محمد إسماعيل عبده في بيئة دينية ووطنية استلهم منها حب الوطن، حيث لم ينقطع عطاؤه حتى اللحظات الأخيرة من حياته. كما كانت هذه البيئة ملهما استقى منها مثلاً وقيمًا وخلقًا سامية ميزت حياته اليومية، حيث كانت من خصاله المميزة التواضع والصدق وعفة اللسان والتفاني في أداء الواجب مما أكسبه احترام كل الذين زاملوه في ميادين العمل في النضال الوطني.
ارتبط الشيخ محمد إسماعيل عبده بالحركة الوطنية الإرترية منذ صغر سنه ، وكان شاهدًا على أحداث تجربة الأربعينات على الرغم من وعيه المحدود بحكم صغر سنه. ولاشك أن تلك التجربة تركت بصماتها على تطور مشاعره الوطنية التي ترجمها في حياته اللاحقة بالإنتماء إلى حركة تحرير إرتريا ومن ثم إلى جبهة التحرير الإرترية التي تبوأ فيها مواقع قيادية هامة. شارك الفقيد في تأسيس خلايا جبهة التحرير الإرترية داخل المدن الإرترية وتعرض وهو يؤدي هذه المهام المقدسة للإعتقالات والتعذيب. وبعد أن تم إطلاق سراحه إلتحق بساحة الوغى في عام 1964م . وفي عام 1965 م أي على إثر إنشاء المناطق العسكرية الخمسة اختير سكرتيرا للقيادة الثورية التي أنيط إليها مهام الإشراف على العمل العسكري في الميدان والمنظمات الجماهيرية في السودان .
بعد مؤتمر أدوبحا التاريخي في عام 1969 م والذي شارك فيه ممثلو الوحدات العسكرية لجيش التحرير وأنبثقت عنه هيئة قيادية موحدة (القيادة العامة). التحق الشيخ محمد اسماعيل عبده إلى الميدان وتولى مهمات فرضت عليه القيام بجولات في مواقع متعددة من إرتريا . وسعى مع مناضلين آخرين إلى إنجاز مهمة انعقاد المؤتمر الوطني الأول الذي مثّل انعقاده في تلك الفترة خطوة هامة وهدف حيوي لدفع النضال الوطني قُدمًا إلى الأمام. انتخب الشيخ محمد في المجلس الثوري وهو جهاز تنفيذي أعلى لجبهة التحرير الإرترية وأصبح سكرتيرا له. وكنت شخصيًّا قد انتخبت عضوا في هذا المجلس مما أتيح لي فرصة العمل معه عن قرب لأتعرف عن قرب على الصفات التي يتمتع بها هذا المناضل الكبير. كان أول ما لفت نظري هو أنه مهما واجهته ظروفا صحية كان لا يؤجل المهام التي تناط إليه بل يؤديها دون كلل أو ملل، وبذلك كان يقدم مثالاً يحتذى به من قبل المناضلين كافة. وفي المؤتمر الوطني الثاني لجبهة التحرير الإرترية انتخب عضوًا في المجلس الثوري وعُين رئيسً للمحكمة العليا للجبهة. كان الفقيد متواضعا، صبورا على الشدائد ومثابرا في العمل إلى أبعد الحدود وبكل ما تعنيه هذه الكلمات من معاني.
إن المنطقة الجغرافية التي وُلد وانتمى إليها الشيخ محمد إسماعيل عبده ومعاصرته المتواضعة للتجربة السياسية في الأربعينات وإلمامه العميق لمكونات الشعب الإرتري والدروس التي استنبطها من قراءة التاريخ كشخصية مثقفة فضلا عن معايشته منذ البداية تفاصيل أحداث وتطورات الثورة الإرترية في كل مراحلها ، مكنته هذه المميزات التي تمتع بها، ليستخلص العناصر التي تنبني عليها الوحدة الوطنية الإرترية التي تشكل قاعدتها التعايش السلمي بين مكونات الشعب الإرتري المتعددة. وبغض النظر عن الموقف الفكري والسياسي الذي التزم به، ظل الفقيد متمسكا بمبدأ الحوار بين الإرتريين مهما أختلفت وتباينت مواقفهم الفكرية ومذاهبهم السياسية . لم يخل أحاديثه الخاصة والعامة مع عامة الإرتريين عن تناول مضامين تعبر عن هذه المعاني. ويشهد له التاريخ أنه كان يجسد هذا النهج في ممارساته السياسية العملية . وبهذا العطاء المتفاني والمتواصل استحق الشيخ محمد إسماعيل عبده أن يكون رمزا من رموز الوطن. ولا شك أن السجل الوطني سيضع اسمه في مكانة مرموقة في قائمة الأسماء الخالدة في تاريخ النضال الوطني للشعب الإرتري.
فقدت إرتريا في الشيخ محمد اسماعيل عبده مناضلا كبيرا ووفيا لشعبه وشخصية ذات سمعة طيبة ، ووطنيا وحدويا أكسبه التقدير والاحترام من قبل معارفه من الإرتريين وارشيفًا للحركة الوطنية الإرترية. وعزاؤنا فيما تركه من إرث عظيم تنهل منه الأجيال القادمة عامة والشباب الذين سنحت لهم الفرصة ليكونوا قريبن منه وتتلمذوا على يده للسير قدما في نهجه لصياغة مستقبل مشرق لشعبنا ووطننا.
أتوجه إلى الله عز وجل أن يسكنه فسيح جناته نظير ما قدم لشعبه ووطنه ويلهم الأسرة المكلومة وذويه وأصدقائه ومعارفه فضلاً عن زملائه في الحزب الاسلامي للعدالة والتنمية الصبر والسلوان وإنا لله وإن إليه راجعون